أثار اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم الأربعاء الماضي، بمستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد انتباه الجميع. لكنّ التعتيم الذي رافق الاجتماع وعدم الكشف عمَّا دار خلاله، باستثناء ما صرّح به إردوغان، يلقي المزيد من الغموض على طبيعته وما جرى تناوله من موضوعات، فضلاً عن النتائج التي انتهى إليها؛ إذ اقتصر بيان القصر الرئاسي على الإشارة إلى أن الرجلَين بحثا العلاقات الثنائية بين بلديهما. وعلى إثر اللقاء، كشف إردوغان بعضَ جوانبه في حوار أجراه مع إحدى قنوات التلفزيون المحلية، وركّز بدايةً على أن المحادثات التي عُقدت شملت بحث الاستثمارات الإماراتية في تركيا ومجالاتها، معترفاً بأنّ علاقات الدول «تعرف تقلّبات، وصعوداً وهبوطاً». وكشف أيضاً أن اجتماعات عُقدت، أخيراً، بين مسؤولي الاستخبارات في كلا البلدين، أوصلت العلاقات إلى «مرحلة معينة»، معرباً عن أمله في أن تُعقد، لاحقاً، لقاءات مع وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بهدف «تبديد العديد من المشكلات في المنطقة، ولأننا نرى حلّ مشكلات المنطقة بالتعاون بين الأطراف المحوريّة». تصريحات إردوغان هذه، جاءت بعد سنوات طويلة من توتّر العلاقات بين البلدين، والذي تفاقم في أعقاب اتّهام تركيا للإمارات، وتحديداً ابن زايد بأنه الرأس المدبّر مع نظيره السعودي محمد بن سلمان، لانقلاب 15 تموز 2016.وفي إطار ما جرى، حاولت صحيفة «جمهورييت» إلقاء بعض الضوء على أبعاد اللقاء، من خلال حوار أجرته مع السفير القطري السابق في أنقرة، مدحت رنده، الذي يرى أن تركيا تبحث، بعد وصول جو بايدن إلى الرئاسة، عن فتح صفحة جديدة مع الإمارات، وهو ما يُعدّ جزءاً من محاولة تحسين العلاقات مع كلٍّ من مصر والسعودية. وبحسب السفير القطري، فإنّ أبو ظبي كانت على الضفة المقابلة لتركيا في ما يخصّ التوترات في شرق المتوسط، ولكن أنقرة تعمل الآن على تغيير تموضع أبو ظبي قدر الإمكان. وإذ يتحدّث الأتراك عن إمكانية وضع خريطة طريق جديدة للعلاقات الثنائية، فإنّ ما يجري لا يعدو كونه خطوات أولى لترطيب العلاقات بينهما. وعادةً ما يلتقي مستشار الأمن الوطني الإماراتي، نظيره في البلد الآخر، لكن طحنون التقى هذه المرّة رئيسَ الجمهورية، في القصر الرئاسي، وخرجت الصورة إلى العلن، في سابقة لم تعرفها تركيا، ما يشير إلى الأهمية التي توليها الأخيرة لتحسين العلاقات مع الإمارات. وعلى هذه الخلفية، يقول رنده: «بالتأكيد، إن استقبال شخص على هذا النحو يعني تحميله رسالة مهمّة جداً. وهذا يعني أن طحنون حمل رزمة اقتراحات أو طلباً معيّناً إلى القيادة التركية. إن استقبال مسؤول أمني في دولة أجنبية بهذه الطريقة، يُعدّ تطوّراً مهمّاً جداً»، مشيراً إلى أن اللقاء يجيء أيضاً بعد الانزعاج الإماراتي من رغبة جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبعد الخلاف بين أبو ظبي والرياض، وفي ظلّ نصيحة الرئيس الأميركي، البلدان الثلاثة، بتطبيع العلاقات في ما بينهم. وعبر اتصالات من هذا النوع، تحاول الإمارات، وفق السفير، أن «تبحث عن حليف جديد لها في مواجهة إيران، فضلاً عن أن طحنون ربّما حمل مطالب إلى تركيا في شأن أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، في مقابل إقامة تعاون واسع بين البلدين ومواجهة التهديدات المشتركة». قد يدغدغ الطلب الإماراتي أفئدة الأتراك الذين تمرّ بلادهم راهناً في ظروف مالية واقتصادية صعبة، وعجز في الموازنة، لكن يجب انتظار بعض الوقت لمعرفة ما إذا كان ذلك وارداً على لائحة المصالح التركية، خصوصاً أن إيران تشكّل مقابلاً استراتيجياً هائلاً لا يمكن تركيا التخلّي عنه. ووفق السفير القطري: «تسعى الإمارات إلى أن تكون لاعباً في شرق المتوسط من خلال الاصطفاف ضدّ تركيا. لكن دول الخليج يمكن أن تغيّر سياساتها في 24 ساعة». وإضافة إلى حليفتها القطرية، تقتضي مصالح أنقرة الاستراتيجية أن يكون لها علاقات جيدة مع كل دول الخليج. وهنا، تكمن أهمية زيارة طحنون ولقائه الرئيس التركي، لكن بشرط أن يتبعها مزيد من الاتصالات الثنائية. وينهي رنده حواره مع الصحيفة، بالقول: «سنرى ما إذا كان ذلك سيحصل أم لا. توجد في تركيا إرادة سياسية لذلك، والدليل استقبال رئيس الجمهورية نفسه لطحنون. وإذا كان لدى الإمارات الإرادة نفسها، فعليها القيام بخطوات مقابلة».
يكتسب اللقاء بين إردوغان وطحنون أهمية فائقة، لا سيما أن هناك مصالح كبيرة تجمع البلدَين


يكتسب اللقاء بين إردوغان وطحنون أهمية فائقة، لا سيما أن هناك مصالح كبيرة تجمع البلدين. ولكن قبل تطبيع العلاقات بينهما، عليهما أن يتجاوزا عدداً كبيراً من الملفات الشائكة. فتركيا دخلت في توتّرات كبيرة مع الإمارات ومصر في شرق المتوسط وفي ليبيا، بل قيل إن طائرات تابعة لأبو ظبي هي التي قصفت قاعدة الوطية الجوية قرب طرابلس، وألحقت أضراراً جسيمة فيها، حيث كانت تتمركز طائرات وأنظمة دفاع جوي تركية. كما أن الإمارات شاركت، عبر طائراتها، في عدد كبير من المناورات مع اليونان ودول أخرى في شرق المتوسط. كذلك، فإن العلاقات الثنائية مثقلة بالملفات الشائكة، وعلى رأسها اتهام تركيا للإمارات بأنها ساندت وموّلت، مع السعودية، المحاولة الانقلابية في 15 تموز 2016 ضدّ رجب طيب إردوغان. واتّهمت أنقرة أبو ظبي بأنها تأوي عناصر تابعة للداعية فتح الله غولن، فضلاً عن اتهامها، أخيراً، باستضافة رجل المافيا، سادات بكر، الذي خرج، قبل أشهر، بمقاطع مصوّرة، يكشف فيها تورُّط مسؤولين في السلطة تابعين لحزب «العدالة والتنمية» بقضايا فساد، نالت نسبة مشاهدات قياسية، ووضعت السلطة في موقف حرج. يضاف إلى ما سبق، تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، والذي انعكس انزعاجاً تركياً كبيراً، إلى درجة دفعت الأخيرة إلى التهديد بقطع العلاقات مع أبو ظبي.
لكن هناك سؤال يُطرح اليوم، ومفاده: هل يمكن اعتبار المبادرة الإماراتية تجاه تركيا وملاقاة تركيا لها على أعلى مستوى مؤشّراً قوياً إلى أن العلاقات الثنائية دخلت مرحلة جديدة عنوانها التحسُّن والتعاون في حلّ الملفات الخلافية، والتحضير لمرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية تعيد خلط بعض الأوراق؟ أم أن التوقّعات الإيجابية مبالغ فيها، نظراً إلى حجم الخلافات القائمة بين البلدين؟