كثيراً ما يحدث أن تخون الصورة هدفها، فتعطي انطباعاً معاكساً أو مغايراً لِما أراده لها أصحابها. الصورة الإسرائيلية ـ الإماراتية الملتقَطة لمناسبة حلول الرئيس الإسرائيلي ضيفاً على خادمه الإماراتي، مرآة دقيقة ومعبّرة عن هذه الخيانة، التي إن خطرت في بال الإسرائيلي فإنها لم تخطر في بال الإماراتي. فالأحمق الإماراتي المنتشي بصنيعه الزجاجي، فاته أن للخيانة أصلاً، فضلاً عن تلك الموثّقة بالصورة أو بالكلمة، كلفتَها الباهظة التي تفوق حتماً كلّ ما في خزائنه من مال مسروق، أو تختزنه أرضه من نفط منهوب. كما فاته أيضاً أن إيغاله في التذلّل التطبيعي المكشوف، وفتْح أبواب المنطقة أمام لصوص الأرض العربية وقتَلة إنسانها المقاوم، له حسابه العسير الذي وإن تأخّر، فإنه وبلا أدنى ريب، آتٍ لا محالة.لا يعي هذا المارق، كما غيره من أقرانه المطايا، أو منافسيه من أبناء السلالات الفاسدة، أن ما تزيّنه له نفسه الأمّارة بالأوهام الخرقاء والعظامية الفارغة، ستكون عواقبه وخيمة؛ وأن ما بعد الخيانة الموثّقة، بالصوت والصورة والكلمة أو الموقف... ليس كما قبلها؛ وأنه في مشاريعه «التوسعية» البلهاء إنّما يعاكس الطبيعة، إذ يربط نفسه بعدو صار تفوّقه المزعوم وحتى قوته المدّعاة من الماضي البعيد، حاله في ذلك من ربيبه الأميركي المتراجع قوة ونفوذاً.
الصورة التي تصدّرت وسائل إعلام مشيخات العار في الخليج وبعض دول التطبيع العربي، وأُريد منها تجاوز تردّدات الضربات اليمنية الأخيرة التي سبقت زيارة هرتسوغ وهزّت أركان الإمارة اللقيطة، لم تفِ بالغرض الغبي، ولم تحقّق أيّاً من أهدافها المأمولة، بل إنها لم تلبث أن اهترأت وفقدت ما أُريد منها بعد ثوانٍ من التقاطها. فـ«إعصار اليمن الثالث» الذي أجبر المضيف على ابتلاع لسانه، وسيّده الإسرائيلي على إصدار بيان عاجل يقول فيه إنه «لا خطر عليه»، فرض إلغاء كامل مفاعيل الغرض الذي التُقطت من أجله.
رسالة الإعصار اليمني الثالث المدروسة بدقة يمنية معهودة، فضحت حقيقة القلق الوجودي الذي يعيشه الطرفان الإسرائيلي والإماراتي وحاجتهما المشتركة التي استدعت الزيارة وأوجبت الصورة. فالرسالة الصاروخية الدقيقة كشفت عن الواقع الذي صارت إليه موازين القوى من رجحان لم يَعُد يقبل الشكّ، ويصبّ في مصلحة أهل المنطقة وناسها. كما كشفت عن مقدار الرعب المسيطر على كلّ من الخادم والمخدوم، وهو الرعب الذي فرض عليهما الانتقال من علاقات التعاون الشامل والتخادم الكامل غير المعلَن، إلى مرحلة الإعلان عنه والجهر به. وفي ظنّهما أنهما بهذا الإعلان أو الجهر إنّما يبعثان برسالة قوة يرهبان من خلالها مقاومي اليمن ولبنان وفلسطين وسوريا وسائر بؤر الحيوية العربية. غير أن الحاصل من الخطوة جاء أيضاً ليخيّب الآمال التي انعقدت على أصل الزيارة وتوقيتها.
فعلى رِجل واحدة وقف الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، وعلى ساقَين من قصب وقف إلى يساره خادمه محمد بن زايد. إنها، في الحقيقة، صورة عن الهزيمة الزاحفة، وتعبير عن الخوف المتعاظم ممّا يرسمه المستقبل أو يخبّئه. ولعلّ التوقّف عند التفصيل الذي يُظهر ابن زايد قابضاً بيديه الاثنتَين على يدَي هرتسوغ، يكشف مدى جزع المطيّة المسمّاة بابن زايد، وحاجته إلى التمسّك بِمَن ينقذه من مصير قاتم يناديه ويحثّ الخطى إليه.
اليوم، أكّد اليمن المقاتل، وبالصواريخ والمسيّرات، على موقعه المتقدّم في معركة استعادة الأمة لإرادتها في تحقيق ما تصبو إليه من منعة وعزة ووحدة، وثبّت وحدة المعركة وترابط جبهاتها. وهي المعركة التي سبق للراحل جمال عبد الناصر أن أوقد شعلتها، قبل أن يتولّى سيد المقاومة اللبنانية ترجمة الكثير ممّا تضمّنته من آمال.
بقي أن نقول إن نجاح الصورة الفنّي وانتشارها لا يعنيان نجاحها في تحقيق ما هدفت إليه أو انطلقت منه.