طهران | كان للاتفاق الإيراني - السعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة دامت سبع سنوات، صداه على الصعيدَين الإقليمي والدولي، فضلاً عن انعكاساته وأصدائه المختلفة على المستويَين السياسي والإعلامي في إيران، حيث تمّت دراسته وتحليل أبعاده وزواياه المختلفة. وفي معرض تقييمها للاتفاق، رأت بعض الأوساط الإعلامية الرسمية أنه تأسّس على عاملَين رئيسَين: أوّلهما، الإخفاقات التي مُنيت بها سياسات الرياض في الضغط على طهران؛ وثانيهما، السياسة الخارجية لإدارة إبراهيم رئيسي، في تطوير العلاقات مع دول الجوار. وفي هذا المجال، رأت صحيفة «إيران» الحكومية، أن «فشل السياسة السعودية في توحيد الدول العربية والإسلامية ضدّ إيران، إلى جانب مراوحة الرياض في صراعها الذي أحدثته بيدها في اليمن، أوصل حكّام السعودية إلى نتيجة مؤدّاها أن هذه النزاعات الاستنزافية لا يمكن أن تكون مثمرة بالنسبة إليها (المملكة)، وخاصّة مع الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، وتقويض دورها في المعادلات الإقليمية، ما يعني أن إمكانية أن تصل توجّهات الرياض إلى النتيجة المرجوّة، بلغت أضعف مستوياتها الممكنة». تبلوُر هذا المناخ الذي لم يكن سببه سوى «إخفاق السياسات العدائية في المنطقة» من جهة، ومن جهة ثانية «فهْم واقع القوّة الميدانية والدبلوماسية لإيران في المنطقة»، أدى، بحسب الصحيفة، إلى أن «تحظى فكرة خفْض منسوب الخلافات، وإلى تعزيز التعاون الإقليمي، وهو ما تابعته حكومة رئيسي، بمزيد من الاهتمام من قِبَل السلطات السعودية».
وإلى ردود الفعل الإيجابية والمفعمة بالأمل إزاء الاتفاق بين طهران والرياض، يَنظر بعض المحلّلين في إيران نظرة مشوبة بالحذر إليه، ولا سيما أن التنافس والخلافات بين الجانبَين لا يزالان قائمَين. وعلى هذه الخلفية، قال الباحث الإيراني المختصّ في الشأن السعودي، كامران كرمي، في صحيفة «دنياي اقتصاد (عالم الاقتصاد)»، إن «عودة الطرفَين إلى العلاقات العادية تُعدّ حدثاً مهمّاً ومصيريّاً في العلاقات في المنطقة، بيدَ أن هذا الموضوع لا يمكن أن يُحدِث تغييراً في الطبيعة التنافسية لهذه العلاقات»، إذ إن إرساء العلاقات الثنائية لا يعني، من وجهة نظر سلطات البلدَين، «إرساء التفاهم والصداقة على صعيد المنطقة، بل إن التنافس سيستمرّ في إبراز آثاره المُتحكَّم بها، إلّا إذا نجح البلدان في تحويل هذا الاتفاق الثنائي إلى نموذج لاتفاق إقليمي شامل تتحدَّد فيه ملامح وسمات بؤر الأزمات، ذلك أن الجانب السعودي لا يملك في الظروف الحالية خطّة للانخراط في هذا النموذج. والأهمّ، أن الطبيعة التنافسية للعلاقات لا تستحدث هكذا إمكانية أصلاً»، وفق الباحث.
يَنظر بعض المحلّلين في إيران نظرة مشوبة بالحذر إلى الاتفاق


ودفعت استضافة الصين للجولة النهائية للحوار بين إيران والسعودية والإعلان عن هذا الاتفاق من بكين، العديد من المراقبين في الجمهورية الإسلامية إلى اعتبار ذلك «علامة على ارتقاء موقع الصين في المعادلات السياسية في المنطقة، في موازاة انحسار مكانة أميركا»، عادّين هذا الحدث بمثابة «نجاح للسياسة الخارجية الإيرانية، في ضوء المواجهة التي تخوضها طهران مع الغرب». وفي هذا الإطار، رأت محلّلة شؤون السياسة الخارجية الإيرانية، ثمانة أكوان، في صحيفة «وطن ظامروز (وطن اليوم)» الأصولية، أن «المكسب المهمّ لطهران يتمثّل في الوقت الحالي، في الوساطة الصينية لاستئناف العلاقات بين إيران والسعودية، إذ استطاعت، من نواحٍ مختلفة، إفشال المخطّطات الأميركية ضدّ المنطقة، وأعطت بطبيعة الحال زخماً جيّداً لبكين، وهي تقف على عتبة انخراطها الدبلوماسي القوي في منطقة غرب آسيا». ووفق الكاتبة، فإن بكين أَظهرت، من خلال توسّطها بين طهران والرياض، أنها «مُدركة بشكل جيّد لدورها في نظام منطقة غرب آسيا، وهي تَعرف طبعاً أنه إذا أرادت أن يتبلور النظام العالمي الجديد بوتيرة أسرع، وأن يتحرّك العالم في اتّجاه التعددية القطبية، فإن الاهتمام المتزامن بالقوى الإقليمية في جميع أنحاء العالم، يكتسي أهميّة بالغة. وهذه هي النقطة المفتاحية التي غفلت عنها الولايات المتحدة التي تسعى إلى الإبقاء على النظام أحادي القطب في العالم من خلال العمليات العسكرية، أو وضْع العقوبات الأحادية».
من جهته، كتب مدرّس ومحلّل الشؤون الدولية، زهير أصفهاني، في صحيفة «همشهري (المواطن)»، أن الاتفاق الأخير «يمثّل هزيمة لمشروع عزل إيران»، مضيفاً إن «الاتفاق بين طهران والرياض يشكّل الإشارة الإيجابية الثانية بعد الزيارة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية رافايل غروسي، الأسبوع الماضي، إلى الجمهورية الإسلامية، وهو الاتفاق الذي يُظهر أن المشروع الأميركي لعزل إيران على صعيد السياسة الخارجية، قد مُني بهزيمة؛ ونظراً إلى هاتَين الإشارتَين، يمكن عقْد الآمال على إحياء الاتفاق النووي في المدى المنظور».
وفي سياق متّصل، رأت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، أن «الاتفاق بين إيران والسعودية حصل في وقت تزايدت فيه التحرّكات لعودة أميركا إلى طاولة المحادثات النووية وإحياء الاتفاق. ونظراً إلى أن واشنطن تزعم أنه يجب ضمان مصالح حلفائها العرب في الاتفاق المحتمل مع إيران، فإن الاتفاق مع السعودية يمكن أن يُسهِم في حلحلة المشكلة المستعصية للاتفاق النووي». وتابعت الصحيفة أن سلطات المملكة طالبت، على مدى العامَين الماضيَين، بأن «يكون السعوديون موجودين في أيّ اتفاق مع إيران، وذلك من أجل تضمينه مصالح الشيوخ العرب»، بيدَ أن طهران قالت إن العلاقات مع الدول الجارة لا يجب أن تُدرَج ضمن «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بل إنه يمكن تسوية هذه الخلافات عن طريق المحادثات الثنائية. وفي ظلّ العلاقات الطيّبة التي تربط بكين بكلٍّ من طهران والرياض، ومحاولات الصينيين إحياء الاتفاق النووي، فإن السعوديين سيسعون على الأرجح، إلى تحفيز الغرب على التوصّل إلى اتفاق محتمل مع إيران.