يواصل النظام الحاكم في البحرين الاشتغال على إصلاح سُمعته المُلطّخة بالانتهاكات والقمع، بسبل شتّى من بينها استضافة المؤتمرات الدولية. وفي هذا الإطار، استضافت المنامة، ما بين الـ11 والـ15 من آذار، الجمعية العامّة الـ146 والدورة الـ211 للمجلس الحاكم لـ«الاتّحاد البرلماني الدولي»، وسط مواكبة كبيرة من قِبَل مجلسَي الشورى والنواب ووسائل الإعلام، وسعيٍ غير خفيّ لاستثمار الحدث في الترويج لـ«مكانة» البحرين، و«الثقة» الإقليمية والدولية بها، وفق حديث راشد بو نجمة، الأمين العام لمجلس النواب.هكذا، أراد النظام أن يُظهر للوفود القادمة إلى أرض «أوال»، أنه صاحب تجربة برلمانية مُتقدّمة تحترم كلّ المكوّنات السياسية على اختلافها، فيما الواقع يقول إن المملكة هي من أكثر الأنظمة قمعاً وإقصاءً لنوّاب انتُخبوا من قِبَل أكثريّة لم ينلْها أيّ مرشّح مدعوم من السلطة يوماً. وبينما يُدرج «الاتحاد» في لائحة أهدافه التي يسعى لتحقيقها منذ تأسيسه عام 1889، التعاون بين الشعوب وﺗﺄسيس مؤسّسات تمثيلية متينة، والمساهمة في الدفاع عن حقوق الإنسان، يبدو ذلك غير منسجِم البتّة مع الوضع القائم في البحرين، ما يجعل استضافة الأخيرة لأعمال هذه المنظّمة وورشاتها واجتماعاتها، ولو بصيغة سنوية أو دورية، معوجّةً تماماً.
بالعودة إلى أرشيف السلطة في هذا المجال، يتّضح أن مجموعة من النوّاب السابقين باتوا نزلاء سجون أو ساكنين في المنافي التي لجؤوا إليها قسراً، جرّاء الحملات الأمنية المسعورة التي طاولتهم بُعيد تفجُّر الانتفاضة عام 2011. وعلى رأس هؤلاء يأتي الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية «الوفاق»، والذي انتُخب عام 2006 نائباً بأصوات شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وترأّس أكبر تكتّل مُعارض في البرلمان، وهو اليوم مسجون ومحكوم بالمؤبّد انتقاماً من آرائه السياسية ودوره الذي أزعج النظام. أمّا رفاقه من الكتلة نفسها، فمعظمهم تعرّضوا للتضييق والاعتقال، ومن بينهم الشيخ حسن عيسى القابع في سجن «جو»، والمحكوم بالسجن 10 سنوات بعد أن احتُجز لمرّات لعديدة. والحال نفسه ينسحب على الشيخ حسن سلطان، الذي أُسقطت جنسيّته وحُكم بالسجن المؤبّد غيابياً في قضية التخابر المزعوم مع قطر، وأُجبر على مغادرة البحرين، فيما علي الأسود حُكم بالسجن المؤبّد في القضية نفسها، ويقيم حالياً خارج المملكة مُكرَهاً. ويضاف إلى أولئك، كلّ من خليل المرزوق (كان النائب الأوّل لرئيس مجلس النوّاب في الفصل التشريعي الثالث) وجميل كاظم وعلي العشيري والشيخ حمزة الديري الذين أُوقفوا أكثر من مرّة، وسُجنوا ونُكّل بهم بسبب نشاطهم السياسي حصراً.
النوّاب الشرعيون موزَّعون ما بين السجون والمنافي


أيضاً، جواد فيروز، العضو في الأمانة العامة لـ«الوفاق»، يعيش اليوم بلا جنسية ومُهجّراً خارج وطنه بعد اعتقاله وتعذيبه في عزّ أزمة 2011، فيما منزله تَعرّض لهجوم بـ«المولوتوف» عدّة مرّات، وصولاً إلى حرمانه من راتبه التقاعدي والتعرّض المباشر لأسرته. وكذلك الحال بالنسبة إلى شقيقه جلال فيروز، الذي أضحى بلا جنسية وحُرم من راتبه التقاعدي، واستُهدفت زوجته في عملها وفُصلت ابنته من الجامعة تعسّفياً، ويعيش حالياً خارج البحرين. ولا يستثني مسلسل الاضطهاد النوّاب السابقين مطر مطر (عن «الوفاق») المُقيم في الخارج إثر تعرّضه للاعتقال والتعذيب وسوء المعاملة، وخالد عبد العال الذي سُجن أكثر من مرّة، وأسامة التميمي الذي أُسقطت عضويّته البرلمانية نتيجة مواقفه الناقدة للسلطة في أيار 2014، ثمّ نُكّل به، وهو الآن يمرّ بظرفٍ صحّي حرج، وعبد الهادي خلف الذي أُسقطت عضويّته في المجلس عام 1973، ثمّ حُرم من الجنسية عام 2012، ويعيش راهناً قسراً خارج البحرين. ولتكتمل الصورة القاتمة تلك، حُظرت مشاركة نحو 100 ألف شخص في انتخابات السلطة التشريعية الأخيرة، انسجاماً مع قانون العزل السياسي المعمول به في البحرين، والذي شمل حوالي 90 ألف عضو في جمعيّات مُعارِضة، بناءً على تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي صدر عام 2018، وبموجبه لم يَعُد بإمكان قيادات وأعضاء الجمعيات المنحلَّة الترشّح لمجلس النواب بحُكم نهائي.
بناءً عليه، يتّضح أن البرلمان البحريني، منذ أزيحت المعارضة من المشهد، لا يُمثّل سوى مرآة للنظام، أو الأصحّ بوابة رسمية لترسيخ استبداده وتحكّمه بكلّ تفصيل في البلد. باختصار، النوّاب الشرعيون موزَّعون ما بين السجون والمنافي، ومَن يُزوّرون التمثيل الشعبي يتربّعون على العرش ويتصدّرون المشهد في المملكة، لا بل يتحدّثون بثقة عالية عن عمل برلماني سليم!