لم تكن فكرة تأسيس تعاونية زراعية في الحسبان عند سيدات بلدة كفرصير الجنوبية، إلى أن تلقّين من جمعية الشبان المسيحيين عرضاً بتدريبهن على الإنتاج والمحاسبة والتصنيع. هكذا ولدت عام 2005 جمعية «ثمار الريف»
مايا ياغي
ما إن عرضت جمعية الشبان المسيحيين خدماتها التدريبية على نساء بلدة كفرصير الجنوبية، بهدف تأسيس معمل وجمعية، حتى تجاوبن سريعاً ورحّبن بالفكرة. في البداية، انضمت خمس عشرة سيدة للجمعية، ثم استقر الرقم حالياً على إحدى عشرة سيدة، يتراوح مستواهن التعليمي بين الثانوي والجامعي، ويتوزعن على النحو الآتي: خمس في الهيئة الإدارية، ثلاث في هيئة المراقبة والجودة، وثلاث ملازمات. يعملن تطوعاً، ويستعنّ بقدرات نساء أخريات من كفرصير في الكثير من الأحيان، للتعاون على مشاريع تحتاج إلى طاقات بشرية تفوق ما تملكه الجمعية، وخصوصا في ما يتعلق بتنفيذ الأفكار الجديدة في مجال التصنيع الغذائي. من هذه الأفكار مثلاً، «البوفيه» الذي تقدمه الجمعية بناءً على الطلب، لجميع المناسبات. منها أيضاً، إعداد أصناف المونة البلدية المتميزة، حيث أضافت نساء الجمعية عليها بعض التعديلات، لتنتج الكثير من الخلطات الخاصة والمبتكرة، وتحديداً في مجال تصنيع الزيتون. فمن حبات الزيتون المحشوّة باللبنة، إلى الزيتون المحشوّ باللوز والجوز، أو الجزر، أو جبنة القشقوان، إضافة إلى الزيتون المخلوط بالزعتر، الفليفلة أوالكزبرة اليابسة.
تدرك رئيسة الجمعية، جمانة ضحوي شاهين، أن التميز هو أساس النجاح، بالإضافة طبعاً إلى جودة المنتج الذي تقدمه الجمعية، بغية كسب ثقة المستهلك والحفاظ عليها، وخصوصاً مع وجود كل التحديات التي تواجه قطاع التصنيع الغذائي، ولا سيما منافسة الأسواق الخارجية التي تقدم منتجات أرخص سعراً وأقل جودة.
ولأن نساء الجمعية يدركن تحديات الزمن الراهن، ولا سيما ظروف عمل المرأة التي تفرض عليها أحياناً اللجوء إلى الطعام السريع أو المأكولات الجاهزة، واكبت جمعيتهن هذه المتغيرات، فقرّرت تقديم الكثير من أصناف الطعام الصحي، الذي لا يحتاج إعداده إلى وقت كثير. فحبات اللوبياء والبندورة، مثلاً، مسلوقة وجاهزة، تحتاج فقط إلى بصلة مفرومة ومقليّة بالزيت، وإلى عشر دقائق على النار، لإعداد طبق اللوبيا بالزيت الصحي. ضمن هذا المنطق، تصنع الجمعية للنساء العاملات «مزيت فول، بازيلا بالجزر، فول أخضر، ذرة، علت أو ما يعرف بالعصورة» والعديد من الأصناف التي تحفظ لغير موسمها، أو لإعدادها بسرعة عند الحاجة.
تعرض الجمعية منتجاتها المنوّعة في معارض ثابتة في البلدة، إضافة إلى مشاركتها في العديد من المعارض في بحمدون، البيال والساحة. هناك، تعرض السيدات منتجاتهن من كشك بلدي، زعتر، رب رمان، مخللات، مربيات (يقطين، تين، فريز)، تين يابس، ومقطرات ماء الورد والزهر وعيزقان، إضافة إلى المكدوس والكومبوت. أما ما تتميز به الجمعية على وجه الخصوص، فهو مربى «الكوموكوات»، وهي ثمرة تشبه حبات الليمون، ولكنها صغيرة بحجم حبة البلح وتأكل مع قشرها. «الجمعية هي الوحيدة في لبنان التي تصنع هذا النوع من المربى» كما تؤكد ضحوي.
غير أن الجمعية تواجه العديد من التحديات، أهمها عدم وجود رأس مال، ما يمثّل عائقاً لاستقلاليتها الإنتاجية. «غالباً ما نرضخ لشروط بعض التجار بهدف تصريف الإنتاج، أو نقدم خبرتنا مع المعمل في مقابل تقديم التاجر للمواد الأولية ومسؤوليته في تصريفها»، كما تؤكد ضحوي التي لا تنسى أن تلفت إلى أن الكثير من الجمعيات والمؤسسات كانت سنداً لهن، من جمعية CRTD، إلى UNDP، إلى مؤسسة جهاد البناء الإنمائية، والبلدية التي قدمت قطعة الأرض لمركز الجمعية. أما جمعية الشبان المسيحيين، فلها الدور الأكبر في تغيير واقع المرأة الجنوبية، وتفعيلها في المجتمع، وتوفير فرص عمل لها، حيث إنها أسهمت في تأسيس تعاونيات كثيرة في مختلف البلدات الجنوبية، وساعدت سيدات كفرصير على توفير حيز أوسع لتصريف منتجاتهن يتجاوز النطاق المناطقي الضيق.
ما زالت الجمعية في بداية المشوار، كما تقول رئيستها، لكن الخطوات الأولى أثبتت نجاحها بمساعدة الكثيرات من نساء البلدة. طموح ترك للمستقبل الكثير من المشاريع، أهمها إنشاء معمل خياطة، وإقامة دورات في التصنيع الغذائي لأكبر عدد من نساء الضيعة، بحيث تنوي الجمعية أن تقدم المعدات والمركز لهؤلاء النسوة دون مقابل، وأن تتيح لهن إمكان امتهان الخياطة أو تصليح ثياب العائلة والأولاد، ما يوفّر الكثير من الأعباء والمصاريف على الأسر، بالإضافة إلى فتح الباب أمام هواة الأشغال اليدوية من خلال تجهيز معدات لصناعة الشوكولا، ما يمنحهن فرصة العمل تحت شعار ثمار الريف، لكن باستقلالية مادية لكل سيدة تعمل في تصنيع الأشغال اليدوية.