على درب تحولها إلى ثورة، تواجه الانتفاضات العربية بعض العثرات غير المفاجئة. ففي الواقع، لا أحد كان ينتظر أن يجلس الثالوث المكوَّن من الإمبراطورية وأعوانها وخدامها مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون الشعب العربي يستعيد حريته وسيادته. كان من المعلوم أن ثالوث الهيمنة سيبذل جهده لتفريغ الانتفاضات من مضمونها وسيحاول استيعابها كما يحصل في اليمن وإلى حد ما في تونس ومصر، أو أن يقمعها بالعنف كما في البحرين، أو يركعها قبل إحكام سيطرته عليها، كما في ليبيا. قد يكون من المفيد الآن، لأحرار العالم العربي وثورييه، القيام بمراجعة نقدية لأحداث الأشهر الماضية، المفصلية في تاريخنا.لا يمكن إنجاز مراجعة مثل هذه في مقال صحافي، لكن المساحة هنا تتيح لفت النظر إلى بعض الأمور الأساسية، أهمها غياب نهج سياسي متكامل ومشترك بين الثوار ومجتمعهم. لقد بيّنت التجربة الديموقراطية المصرية الجديدة التي تجسدت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية حدود نفوذ “الشباب” من ذوي التوجهات اليسارية، الذين طالبوا بدستور جديد. فقد أظهرت نتائج التصويت أن النشاط على الفايسبوك قد يكون ملائماً لحشد الناس في ساحات التحرير عندما تكون الظروف السياسية مواتية، لكنه لا يكفي لقلب موازين القوى في غياب مشروع سياسي متكامل يحاكي آمال الطبقات المقموعة والمستغََلَة ومطالبها، ويقدم حلولاً قابلة للتطبيق تحظى بدعم وتأييد شعبي واسعين. مشروعٌ مثل هذا من المستحيل إنجازه في ظلّ فراغ إيديولوجي. هناك حاجة ماسة لإطار فكري يمثّل منطلقاً في تنظيم العمل، ويكون ركيزة لرسم سياسات بديلة وعادلة في شتى القطاعات. في غياب إطار فكري مثل هذا، قد نستطيع تفكيك النظام وفضحه، لكننا لن نستطيع بناء عالمنا الجديد.