قد يصبح الربيع العربي مادة أكاديمية تدرّس في الجامعات العالمية. الموضوع مشوّق وهام وحيوي: أمة بكاملها أصرّ الغرب، خلال قرن كامل، على اعتبارها غير موجودة، فإذا بها تتفاعل الآن. شعب كان قد كتب له الإذلال المزمن في أدبيات المستشرقين العرب والغربيين يتمرد على الطغيان ويحقق الإنجازات ويخلع بعض الحكام ويهدد آخرين. قوم بكامله يصرخ في وجه العالم: لدينا ما ليس لديكم. عندنا الكرامة والشجاعة ونرفض وصايتكم على فكرنا وثقافتنا وحياتنا. فرغم كل الإخفاقات التي نأمل أن تكون مرحلية، ورغم القمع الدموي والمؤامرات المحلية والدولية وتشتت بعض المعارضات وضياعها، يمثّل الربيع العربي نقطة تحول أساسية في المجتمع العربي. لم يتأخر الأكاديميون الغربيون في انتهاز الفرصة للتحليل التبسيطي والموجّه أحياناً بغية تحسين وضعهم الرتيب في جامعات ومراكز أبحاث تعدّ نفسها قمة العلم ومرجعية الفكر. هكذا، أصبح الربيع العربي آخر موضة ومادة بحثية لمن لم يزر العالم العربي. والأمثلة متعددة، فمنذ فترة قريبة نشر بعض الباحثين في جامعة هارفارد دراسة أرادوها معمقة مليئة بالبيانات والرسوم التوضيحية مفادها بأن العرب انتفضوا نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء. وقد نشرت هذه الورقة بسرعة قصوى ومن دون أن تخضع للمراجعة الأكاديمية، لأن الموضوع آني وفي غاية الأهمية، بحسب تصريح الناشر. لكن، عن أي أهمية يتكلّمون؟ عن ضرورة إعادة تصوير الانتفاضات العربية وكأنها ثورات جياع؟ أم عن إعادة كتابة الأحداث بما يتلاءم مع السرد التاريخي الغربي؟ طبعاً، المشكلة ليست فقط في نشر تلك الأبحاث، بل في استيعابها واجترارها من قبل بعض الأكاديميين العرب. لهذا، أصبح من الضروري تنظيم أنفسنا، أكاديميين وناشطين عرباً، ضمن مجموعات بحثية تعمل على توثيق انتفاضاتنا وكتابة تاريخنا.