محمد الأسعد *لفتت نظري عدة مشاهد في غزة، وبخاصة خلال تصوير مشهد تخريج دفعة من حفظة القرآن في مسجد الرحمن على شاشة الأقصى يوم السبت 1/ 9/ 2007. كانت المسيرة للطلبة المتخرجين، ثم رأيت بعد ذلك بعض المتحدثين على منصة أمام جمهور من الحاضرين بهذه المناسبة، وفوجئت باللباس الذي ظهر به الطلبة وبعض المتحدثين على المنصة: عمائم الطلبة ذات الذيول ثم الصديري الذي ارتداه أحد المتحدثين.
كانت عمائم الطلبة من النمط الذي يرتديه مسلمون في أفغانستان أو مناطق شرق آسيوية، وبعض الكوفيات من النمط الذي أشاعه الوهابيون في السعودية. بالطبع لكل شعب أن يرتدي اللباس الذي يلائم عاداته وتقاليده، ولكل فرد في أي مجتمع أن يحاكي ما يشاء من أنماط اللباس، إلا أن لبعض أنماط اللباس في هذه الأيام، دلالة، ودلالة سياسية جديرة بأن ينتبه إليها الإخوة في حركة «حماس».
أول دلالة لنمط اللباس الأفغاني والعمائم أو القبعات الطاجيكية على صعيد الإعلام السياسي، هو انتماء أصحابها إلى تنظيم «القاعدة» الذي أنشأته الاستخبارات الأميركية ووكيلتها الاستخبارات السعودية، ومارس دوراً خطيراً لا يزال يمارسه في «تمثيل» دور الحركة الإسلامية زوراً وبهتاناً.
وقد نجح هذا المخطط اللئيم في خداع الكثير من المسلمين، بالاستيلاء على صورة الإنسان المسلم وتقديمها أمام الرأي العام الدولي والعربي بطريقة مشوَّهة أضاعت معالمها الحقيقية.

فليعد الشاب الفلسطيني إلى كوفية أبيه ولتعد النساء إلى غطاء رأس أمهاتنا

الجزء الدال في هذه الصورة يتعلق بنمط اللباس؛ فقد حرص عملاء الاستخبارات الأميركية من أمثال بن لادن والظواهري على تمييز أنفسهم بنمط لباس دال عليهم، سواء تعلق بزيّ الرجال أو النساء، بحيث أصبح هذا الزي يثير في ذهن المشاهد ما أن يظهر، صورة «الإرهابي»، وهي صورة لا تعبر عن «المسلم المقاوم» الذي يُراد لصورته أن تتشوّه بعمليات مكرسة ظاهرياً «لمقاومة الاستعمار الأميركي»، بينما هي من حيث الجوهر، مكرسة لخدمة الخطاب الأميركي ضد كل حركة إسلامية مقاومة.
هذه اللعبة الشيطانية بدأها مستشار الأمن الأميركي زبيغنو بريجنسكي في ثمانينيات القرن الماضي حين عمل وصرح علناً بأن حكومته تعمل على خلق حركات «جهادية» موظفة لخدمة الاستراتيجية الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفياتي، وهذه القصة أصبحت معروفة ومكشوفة في أكثر من مصدر، إلا أن ما لم يعرفه الرأي العام، والعربي خصوصاً، على نطاق واسع، هو أن هذا التجنيد لما يسمّون «الجهاديين»، ولباسهم المميز (العمامة الأفغانية والكوفية الوهابية)، ما زال قائماً على قدم وساق. وآخر مبتكرات هذا التخطيط الجهنمي الذي يتستر باسم «الجهاد» هو «حركة جند الله» على الحدود الباكستانية ـــــ الإيرانية التي تديرها الاستخبارات الباكستانية لمصلحة نظيرتها الأميركية، ومهمتها القيام بأعمال تخريب ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وجماعات «فتح الإسلام» و«جند الشام» و«عصبة الأنصار» في المخيمات الفلسطينية التي تجندها وتموّلها الاستخبارات السعودية لمصلحة نظيرتها الأميركية في لبنان، وتسهّل تمويلها وتسليحها أجهزة أمن حكومة فيلتمان في لبنان لضرب فكرة المقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله. ولا يخفى امتداد هذا المخطط الشيطاني الذي تندرج فيه حكومة دايتون في رام الله كما كشفت الوثائق التي أعلنها السيد سعيد صيام على شاشة الأقصى في 23 آب 2007 بمزاعمها أن غزة صارت مأوى «للقاعدة».
ما أود أن أسأل عنه هو كيف لا تنتبه حركة «حماس» إلى تغلغل رموز هذه الحركات الاستخبارية في أوساط الشعب الفلسطيني في غزة؟ أعني ملابس شبان ورجال ونساء غريبة عن تقاليد الشعب الفلسطيني؟ ولماذا تستبدل العمامة الأفغانية بالكوفية الفلسطينية، وتحل محل غطاء رأس أمهاتنا وأخواتنا هذه الأزياء الشاذة لنساء يرتدين بالضبط ما ترتديه نساء عملاء الاستخبارات الأميركية، مثل «القاعدة» و«فتح الإسلام» وما إلى ذلك من حركات بدأت بالفعل تلصق بنا وبشعبنا تهمة الانتماء إلى هذه الحركات الشاذة؟ ثم، مَن قال إن العمامة الطاجيكية أو الأفغانية أو الكوفية بالطريقة السعودية وهذه الأقنعة السوداء التي ترتديها النساء هي «لباس» إسلامي حصراً؟
أرجو أن ينتبه الإخوة في «حماس» إلى هذا الكمين الخطر الذي لا أشك أن هناك من يقف وراءه بحجج وفتاوى مضللة. وأعتقد أن عليكم الانتباه إلى ممارسة حزب الله في لبنان الذي حاولت هذه الوجوه الخبيثة التزيّن بأزياء رجاله من دون جدوى.
ألم تلاحظوا أن الظواهري استبدل عمامة سوداء بعمامة بيضاء في محاولة لإعطاء انطباع في الإعلام الغربي يدعم الخطاب الأميركي من أن رجال حزب الله هم من نمط إرهابي «القاعدة» نفسه؟ إنهم يحاولون إلصاق أنفسهم بحركات المقاومة أو إلصاق هذه الحركات بهم بكل طريقة يتمكنون منها، بالخطاب واللباس وبكل ما توحي به الأجهزة التي تحركهم.
لقد شعرت وأنا أرى شباناً فلسطينيين يرتدون عمائم أفغانية، وأحد المتحدثين يرتدي الصديري الشبيه بما يرتديه رجال العصابات الأميركية المجندون لتشويه صورة المقاومة الإسلامية في الأذهان، بأن هناك من يدسّ هذه العلامات في الأوساط الفلسطينية، فأرجو الانتباه والحذر، وليعد الشاب الفلسطيني إلى كوفية أبيه وجده، ولتعد النساء إلى غطاء رأس أمهاتنا وجداتنا، ولا تقعوا ضحية جهلة أو خبثاء أو حتى أناس حسني النيات لا يدركون ما يجري من تلاعب بالعقول، على صعيد الكلمة والزي والصورة وكل شيء يقع في متناول أيديهم.
أود أخيراً أن ألفت انتباهكم إلى أمرين:
أولاً: منذ تسعينيات القرن الماضي، بدأت في الإعلام الغربي المجند، تنبعث الدعوات إلى خلق «عدو» بديل للاتحاد السوفياتي، وكان المقترح الشائع هو «الإسلام»، إذ من دون عدو مهدِّد لا يستطيع الغرب الحفاظ على تماسكه، وكانت أخطر محطة في عملية الخلق هذه رفع صورة عملائهم الذين استخدموهم في الثمانينيات في أفغانستان بوصفهم «ممثلين» للإسلام الذي يحارب الغرب، وإعطائهم دوراً جديداً، وتوّجت هذه العملية كما تعرفون بتفجير أبراج نيويورك في 11 أيلول/ سبتمبر ونسبت إلى هؤلاء العملاء لإعطاء صورتهم صدقية ومن ثم للخطاب الأميركي في تبرير حروبه المتواصلة. ومنذ تلك اللحظة، أدركتُ أن المرمى سيكون المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومحاولة زجّ صورتيهما وصورة أي فعل مقاوم لأميركا والصهيونية في هذا السياق الإرهابي الذي أطالت الاستخبارات الأميركية عن طريق وكلائها في باكستان وأندونيسيا والسعودية والأردن ومصر والمغرب مداه، ليمتد على طول العالم الإسلامي وعرضه.
واليوم، تتحدث عدة وسائل إعلام أميركية علناً عن الحاجة إلى «عملية» مماثلة لعملية 11 أيلول/ سبتمبر للحفاظ على تماسك المجتمع الأميركي (ستو بينكوفسكي في حديث لقناة فوكس).
ثانياً: إن الزي الإسلامي الموحّد أكذوبة اخترعتها أجهزة الحرب الفكرية الاستخبارية لتعميم نموذج للمسلم في ذهن الرأي العام الدولي لتسهيل عملية «نمذجة» العدو بصرياً، ومن هنا تلاحظون مدى الإصرار على إظهار «رجال دين مسلمين» على الشاشات، يرتدون الملابس الطاجيكية والأفغانية التي ارتبطت في ذهن المشاهدين، وبخاصة الغربيين بالإرهاب الذي اخترعته أميركا بأموال خليجية ودعاة ووعاظ السلاطين الوهابيين، يجيدون الشتم وتكفير الناس والدعوة إلى ذبح كل من هو غير مسلم. بينما الحقيقة التي يجب أن ينتبه إليها كل مسلم هي أن من مميزات الإسلام العظيمة مرونته في التعامل مع البيئات التي حلت فيها العقيدة الإسلامية، فهو مثلما أنه لم يفرض نمطاً معمارياً واحداً للمسجد، لم يفرض زياً موحداً على الشعوب الإسلامية، بل ترك هذه الأمور رهينة مناخ وظروف وتقاليد وحياة الأقاليم التي وجد فيها. الجوهري في الإسلام قرآنه وحديث نبيه بخطوطهما العريضة اللذين أقاما حضارة إسلامية سادها التنوع في قلب الوحدة، ولم تعرف هذه التشوّهات التي زجّتها أجهزة خبيثة في عقول الناس.
* كاتب فلسطيني