فنسان الغريّبإذا أردنا مقاربة هذا الموضوع مقاربة جدّية، يمكننا تتبّع ما يكتبه ويعلنه بصراحة الباحثون المقرّبون من الإدارة الأميركية ومراكز البحث التابعة لها. من أهم هؤلاء، دانيال بايبس، الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، الذي عيّنه بوش في إدارة «مؤسسة السلام الأميركية» التابعة للكونغرس، وهي خزان أفكار تسعى، كما تعلن، إلى تحقيق السلام العالمي، وذلك بالرغم من اعتبار بايبس أن لا سلام ممكناً في منطقة الشرق الأوسط من دون تحقيق إسرائيل انتصاراً عسكرياً ساحقاً وشاملاً على أعدائها، والداعي كذلك الى إحداث «تغيير في العمق» من خلال مقاتلة الفلسطينيين حتى استسلامهم التام والنهائي، كما أعلن في محاضرة ألقاها أخيراً أمام محفل يهودي في واشنطن!
وقد انتقد بايبس، الرئيس بوش على تصريحه الذي قال فيه «إن الإسلام دين سلمي»، معتبراً أن جميع المسلمين مشتبه بهم!
يقول بايبس، المدعوم من الجمهوريين واللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة، إن حلّ مشكلة قطاع غزة تكمن في ضمّ (يستخدم كلمة ترانسفير) القطاع إلى مصر، التي سوف تعرف كيف تتعامل معه بطريقة تريح إسرائيل وتخفّف الضغط العسكري عليها، كما سيحمّل مصر مسؤولية أي عمل حربي تقوم به أية مجموعة مقاومة تجاه إسرائيل، مع إشارة بايبس إلى خبرة الأجهزة الأمنية المصرية في كيفية التعامل مع التنظيمات الإسلامية «الأصولية»، معتبراً حركة «حماس» ابنة حركة الإخوان المسلمين المصرية، وفرعاً تابعاً عضوياً وفكرياً ومادياً لها في غزة.
ونظراً للخبرة الطويلة للرئيس مبارك في تعاطيه مع حركة الإخوان المسلمين، فإنّ بايبس يرى أنّ ضمّ القطاع إلى مصر، سوف يجعل مسؤولية قمع حركة «حماس» والقضاء التام عليها، مسؤولية مصرية بامتياز.
كما علت أصوات مطالبة بفصل الفطاع اقتصادياً عن إسرائيل، فقد أعلن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، ماتان فيلناي، أن على مصر تحمّل المسؤولية الاقتصادية عن قطاع غزة، عبر دعوة مصر لفتح حدودها مع القطاع كي يتمّ بعد ذلك إقفال الحدود بينه وبين إسرائيل، ما سوف يزيل المسؤولية الاقتصادية عن أكتاف إسرائيل محمّلاً إياها لمصر، وصولاً إلى قطع إمداد القطاع بالطاقة الكهربائية، وهو الأمر الذي سوف يساعد مصر على تشديد قبضتها على القطاع.
إنّ إلحاق قطاع غزة اقتصادياً بمصر، سوف يورّط مصر شيئاً فشيئاً، ويزيل المسؤولية الأخلاقية عن إسرائيل ويعفيها من الانتقادات الموجّهة إليها مع كل إغلاق للحدود بسبب إطلاق الصورايخ باتجاه مستوطناتها.
تقسيم الأراضي الفلسطينية وتوزيعها
يدعو بايبس إلى حلّ مشكلة قطاع غزة من خلال: أولاً: حلّ الصراع العربي ــ الإسرائيلي من خلال تقسيم الأراضي الفلسطينية وتوزيعها على كل من مصر، إسرائيل والأردن؛ ثانياً: جعل مسؤولية ضبط الحركة الإسلامية في القطاع التابعة لحركة الإخوان المصريين، من أولويات الإدارة المصرية، نظراً لخبرة مبارك الطويلة في التعاطي مع حركة الإخوان طيلة فترة 27 عاماً، وقدرته على استخدام أساليب لا يمكن إسرائيل استخدامها؛ ثالثاً: الحدّ من قدرة وحريّة الحركات الإسلامية المقاومة في القطاع على «إزعاج» إسرائيل، «والحدّ من حريّة تصرّفها وذلك عبر إطلاق يد الأجهزة المصرية وإزالة القيود التي كانت إسرائيل قد وضعتها على حريّة حركة القوات المصرية على الحدود مع إسرائيل بعيد توقيع معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية عام 1979. ولا داعي إلى أن تكون القوات المصرية مسلّحة بأسلحة ثقيلة، بل مجرّد أسلحة خفيفة تساندها في مهمّاتها القوات الدولية والمراقبون الدوليون المرابطون في سيناء.
لذلك، نرى أن رغبة إسرائيل تكمن في إلقاء مسؤولية قطاع غزة الاقتصادية والأمنية على أكتاف مصر، لتحميلها تبعيّة أي عمل عسكري عدائي تجاه إسرائيل ينطلق من القطاع. يدعو بايبس إذاً إلى أن يكون انطلاق مسار «عملية السلام» من هذه النقطة بالتحديد، وهي رؤية يرى أنها تحتاج إلى الكثير من الخيال والطاقة لدى إسرائيل والدول الغربية على حدّ سواء، لوضعها موصع التنفيذ. لذلك، يدعو بايبس واشنطن والعواصم الغربية الأخرى إلى الإعلان أن الغزاويين فشلوا في حكم أنفسهم، راغباً في أن يؤدي الضغط العسكري الإسرائيلي والحصار الاقتصادي الإسرائيلي ــ المصري على غزة، الذي أريد منه خنق القطاع، إلى دفع الإدارة الأميركية والحكومات الغربية الأخرى، للطلب من القيادة المصرية، «المساعدة» على حلّ معضلة غزّة، عبر ضمّ القطاع إلى مصر.
ابتلاع غزة، حقيقة أم وهم؟
هل مشروع تقسيم الأراضي الفلسطينية بين مصر وإسرائيل والأردن هو مشروع حقيقي، أم أنه مجرّد مشروع خيالي، يحلم بتحقيقه على أرض الواقع يوماً ما بعض القادة اليهود والمصريين؟ هل هو مشروع خيالي أم أنه مشروع متكامل ومدروس وفعلي وواقعي تعمل على تحقيقه كل من إسرائيل ومصر والأردن؟ وفي حال صحّة وجود مثل هذا المشروع، هل ستنجح إسرائيل، ومعها القيادة المصرية، في تحقيق تلك الرغبة وتحقيق أهداف هذا المشروع من خلال استخدام الأداة أو الذراع العسكرية الإسرائيلية؟
وهل سيسلّم المقاومون في غزّة بهذا المشروع التقسيمي، أم أنهم سيقاومونه بكل الطرق والوسائل؟ هذا ما سوف تجيب عنه حصيلة العمليات العسكرية الإسرائيلية وقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والنهوض من جديد، وإثبات أن مشروع قيام دولة فلسطين هو مشروع فعلي وواقعي وقابل للتحقّق رغم التحدّيات الجمّة التي يواجهها على أرض الواقع.
* باحث لبناني