فوزي الأسمر *ولسنا بصدد مناقشة هذه الاتهامات، فهي بحاجة إلى دراسة خاصة، ليس بالنسبة إلى تصرفات أوباما، بل بالنسبة إلى التفكير الذي يحمله شخص مثل ماكاين، وهو يعلم كل العلم أن مثل هذه «الاتهامات» قد يفهمها البعض بأنها تحريض على القتل.
وقد تبيّن حسب تقارير «مكتب التحقيقات الفدرالي» الأميركي أنه كانت هناك عدة مؤامرات لقتل أوباما خلال الأسابيع القلية الماضية، ولكن قُضي عليها بالمهد.
فالذي يهمنا في هذا الموضوع هو تطرق ماكاين ومعه نائبته سارا بالين إلى مواضيع أوسع بكثير من دون الالتفات إلى حساسيتها مستقبلياً.
اتُّهم أوباما بأنه مسلم بسبب اسمه الثاني «حسين»، وأن والده كان مسلماً. هذا الموقف نشّط العنصرية تجاه المسلمين الأميركيين، واستغلت بعض الأوساط المسيحية الصهيونية المتطرفة هذا الوضع وزادت من تحريضها على الإسلام والمسلمين، وبالتالي على العرب عموماً.
وقد أسعف الوضع، إلى حد ما، وزير خارجية أميركا السابق، الجنرال كولين باول، الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى الجمهور الأميركي، عندما قال في مقابلة تلفزيونية: «ومن قال إنه ممنوع على أميركي مسلم أن يكون رئيساً للجمهورية؟».
ثم جاء الاتهام الأخير، وهو أن لأوباما علاقة مع منظمة إرهابية اسمها «منظمة التحرير الفلسطينية». وبالين هي أول من تناول هذا الموضوع، في خطاب جماهيري، عندما قالت إن لأوباما اتصالات مع بروفيسور متطرف اسمه رشيد الخالدي، كان متحدثاً باسم منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها الإدارة الأميركية وإسرائيل في حينه أنها «منظمة إرهابية». وتبين أن هذا الأمر ليس صحيحاً.
ولم تكتف حملة ماكاين بذلك، بل وزعت صورة من حفلة أقيمت على شرف الخالدي عام 2003 عندما أنهى عمله مع جامعة شيكاغو ليتسلم مهام منصبه الجديد أستاذاً في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك. ويظهر في الصورة أوباما وزوجته على مائدة طعام بجوار المفكر العربي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد وزوجته، ويظهر أوباما مصغياً لسعيد.
وقد كُتب عن هذا الاحتفال في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، حيث قالت إنها تحتفظ بتسجيل لخطاب أوباما في تلك اللية، ولكنها لا تستطيع نشره بسبب تعهد سابق يقضي بعدم النشر.
هذه النقطة أثارت حفيظة ماكاين الذي طالب في لقاء إذاعي اقتبسته شبكة التلفزيون «أم إس إن بي سي» (يوم 29/10/2008) وطالب الصحيفة بنشر الخطاب. ولكنه أضاف: «تصور لو شاركنا أنا وبالين في عشاء لشخص نيو نازي فهل كان في الإمكان إبقاء ذلك سراً». هل معنى ذلك أن سعيد والخالدي نازيان؟
طبعاً ليس من الصعب الحصول على مثل هذه المعلومات، فهناك رصد لكل أكاديمي وغير أكاديمي عربي أميركي وغير عربي أميركي يتخذ مواقف، منتقداً سياسة إسرائيل ومواقفها، والسياسة الخارجية الأميركية بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط. على سبيل المثال لا الحصر، المجهود الذي يقوم به الصهيوني دانيل بايبس الذي لديه قائمة سوداء لمثل هؤلاء المثقفين.
فإدوارد سعيد هو من أفضل العقول المفكّرة في القرن العشرين، ورشيد خالدي معروف بأنه مفكر وأصدر العديد من الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهو من مواليد أميركا. فهل انتقاد السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة إلى الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية هو جريمة؟ وما معنى هذا الهجوم على حرية الفكر التي تتباهى بها أميركياً؟
إن هذه الحملة ترمي إلى أن يبتعد كل مرشح لمنصب حكومي عن العرب والمسلمين. ويجد مثل هؤلاء الأشخاص حرية في شن مثل هذه الحملات، معتمدين على ضعف الرد العربي والإسلامي، ويشعرون بأنهم مهما تمادوا في المواقف فلن يكون هناك رد عربي وإسلامي حاسم. ولنتصور فقط ماذا كان سيحدث لو أن مثل هذا الهجوم كان موجّهاً إلى اليهودية وإسرائيل.
* كاتب لبناني