فادية حطيط لو سألت ناشري كتب الأطفال إن كان هناك أية رقابة تمارس عليه حين ينشر كتاباً للأطفال سيبادرك فوراً: لا. لا أحد يطلب منه أن يقدم نسخة عن مخطوطة الكتاب لقراءته وأخذ الإذن مسبقاً. ولكن من المعلوم أن الكتب التي تتجاوز الحدود المرسومة يجري سحبها من السوق. هذا ما حصل مع العديد من كتب الكبار، ولكنه لم يحصل ولا مرة واحدة مع كتب الصغار. فلماذا؟ أليس من المستغرب ألا يكتب أحد الكتاب شيئاً يكون مرفوضاً من الجهات المانعة؟ هل اتجاهات كتاب الأطفال هي تقليدية إلى الحد الذي يجعلها تتوافق مع إرادة السلطة المتعددة الرؤوس؟
يبدو فعل الرقابة من نسيج أدب الأطفال نفسه. ليس ذلك في بلادنا فقط بل في كل مكان. في الولايات المتحدة مثلاً حيث نفترض أن ثمة حرية للسوق تطالعك المطالبة بالرقابة أكثر من تلك المنددة بها. هناك تتألّف لجان متعددة الأنواع من أجل الانتباه لما يوجه للأطفال، لجان من الأهل، ولجان من المكتبيين، ولجان من المعلمين، لكل جهة من هؤلاء كلمتها. «هاري بوتر» أخذ نقاشاً مطوّلاً ووجد معارضة ليست ضئيلة، وكتب الأميرات الزهرية تجد الكثير من الأمهات النسويات اللواتي يرفضنها. لا بل يبدو أن لائحة الممنوعات تزداد كلما تطور المجتمع، وهي تتعلق على وجه العموم بأربعة عوامل أساسية هي القيم الأسرية ويمكننا أن نترجمها لبنانياً بممنوعات لها علاقة بالجنس والعنف والتنميط، وعامل الدين أي الممنوعات التي تتعلق بالمس بالطوائف وممثلي الأديان، والمواقف السياسية وتحتها ندرج ممنوعات لها علاقة بالانتماء الوطني، وحقوق الأقليات وتحتها ندرج الفئات العاملة الأجنبية، أو الجنسيات غير اللبنانية. وفي لبنان لدينا نوع من الممنوعات منتشر ولكنه لا يندرج تحت أي من هذه العوامل ويتعلق تحديداً باللغة والمدى الذي به يمكن الكاتب أن يتخطى قواعد اللغة الفصيحة، أو لغة الكبار.
الفارق ما بين رقابتنا في لبنان والرقابة الموجودة في الخارج هي ضخامة حجم الجانب الذاتي لدينا. صحيح أن هناك رقابة كبيرة تفرض نفسها بسبب توجه الناشرين إلى السوق الخارجي، وخصوصاً السوق الخليجي والسعودي على وجه التحديد، فيطلب إلى الكتّاب الانتباه إلى مراعاة بعض الاعتبارات الدينية والثقافية مثل الاحتشام، وعدم إظهار الخمور والخنازير والكلاب في القصص، وعدم إعطاء الطفل مساحة تعبير ذات منحى تمردي. إلا أن الرقابة التي يفرضها الكتّاب على أنفسهم تتخطى إلى حدّ كبير تلك التي يفرضها الكتّاب الأجانب على أنفسهم في الخارج. ونلاحظ ذلك ليس من المواضيع المعالجة في كتب الأطفال بل من المواضيع الغائبة. فلا كتابات مثلاً عن الحب، عن العنصرية، عن العنف، عن الصراع الاجتماعي.
كأن الكتّاب يسيرون بحذر وانتباه شديد وسط حقل شائك. يذكرني ذلك بلعبة الاكس التي كنا نلعبها صغاراً، نرسم على الأرض مربعات ونقفز فوقها بحيث لا نلمس الخيوط المرسومة. تلك كانت مرسومة بطبشور يمكن محوه بسهولة، أما الخطوط التي يرسمها كتّاب الأطفال لأنفسهم فهي غير مرئية ومدموغة داخل الرؤوس.