غادة دندشبفضل الحالة النادرة لولادة أطفال دون الغدّة الصعترية thymus glands، تمكّن العلماء من مراقبة كيفية بناء جهاز مناعة جديد لخلاياه المحاربة للالتهاب الـ T-cells، وفق مقالة نشرتها مجلة «ساينس دايلي» أخيراً.
راقب فريق من العلماء يرأسه الدكتور توماس كابلر، في المركز الطبّي التابع لجامعة ديوك، مجموعة من المرضى الصغار بعدما خضعوا لعمليات زرع أنسجة صعترية. وكانت هذه المراقبة تهدف إلى دراسة كيفية نموّ خلايا المناعة التي تنتجها في العادة الغدّة الصعترية حين توافرها. والمعروف عن خلايا المناعة «ت» أنها تتألف من أنواع كثيرة، لكن مجموع عديد هذه الأنواع يبقى ثابتاً دائماً في جسم الإنسان.
العلماء راقبوا العمليات المتصلة بأداء بعض متلقيات هذه الخلايا receptors في الجسم التي تتفاعل معها عند وجودها. وقد انطلق النشاط التفاعلي بين الخلايا «ت» ومتلقياتها بمجرد قبول أجساد الأطفال للأنسجة الصعترية التي زُرعت داخل هذه الأجساد. وقوّم العلماء أنواع المتلقيات التي بدأت تتفاعل تدريجياً، وذلك بهدف تحديد المجموع العام للخلايا «ت» المتوافرة في جسم الطفل، وكذلك تحديد عديد بعض أنواع هذه الخلايا.
يقول الدكتور كابلر إنه قبل هذه التجربة لم يتمكّن العلماء في العالم من فهم الآلية التي تسمح بعمل الأنواع المختلفة من الخلايا «ت» مع مجموعة متنوعة من المتلقيات في الجسم، فيما يحافظ الجسم على مجموع عام ثابت لعديد هذه الخلايا. هذا العدد العام الذي يبقى ثابتاً مهما اختلفت أنواع الخلايا «ت» المتفاعلة وتفاقمت الحالة المرضية التي تستدعي إنتاج أنواع محددة منها.
وضع كابلر والدكتور ستانسا سيوبي (من فرع علم المناعة الحسابي)، معادلة حسابية تأخذ بعين الاعتبار جميع العناصر المساهمة في تفعيل عمل أنواع خلايا المناعة «ت» وتحديدها. وبعد مراقبة ما يجري في أجساد الأطفال من حيث إنتاج الخلايا «ت»، ومع اعتماد المعادلة، استطاع العالمان تحديد بعض الأرقام. لقد تبيّن لهما أن العناصر التي لا تميّز بين أنواع متلقيات الخلايا «ت» المختلفة وتتفاعل بالتالي مع الخلايا «ت» على أنواعها بالطريقة نفسها، موجودة بعدد يفوق ألف مرّة عدد العناصر التي تتفاعل مع متلقيات محدّدة لخلايا «ت»
خاصة.
تقول البروفسورة لويز ماركرت التي تساهم في الإشراف على عمل الفريق في جامعة ديوك، إن أهمية هذا الكشف تكمن في فتحه الباب أمام الأطباء لدراسة حاجة الأطفال الذين يعانون عارض «دي جورج» (أي غياب الغدّة الصعترية) بدقّة أكبر. وتشرح ماركرت الأمر بأنه في المستقبل القريب سيتمكّن الأطباء من تحديد الأنواع الأكثر أهمية بين الخلايا المناعية «ت»، وذلك من حيث قدرتها على التفاعل مع أكبر عدد من العناصر. وقد تنتج من ذلك مقاربة جديدة في علاج غياب الغدّة الصعترية.
من جهة ثانية، أورد الفريق مثلاً عن طفل خضع للزراعة بهدف تبيان الدقّة التي تسمح بها الآلية الجديدة في مقاربة حالة هؤلاء الأطفال. لقد أظهر الزرع الذي قام به المختبر للتحقق من حسن سير عمل الأنسجة المزروعة أن الأنسجة الصعترية المزروعة داخل هذا الطفل بالذات لا تتفاعل ولا تنتج أية خلايا مناعية. لكن استخدام آليات البحث الأخير مكّنت العلماء من اكتشاف أنواع محدّدة من الخلايا المناعية «ت» في جسم الطفل. يبدو أن خاصية ما في جسد هذا المريض بالتحديد منعت نموّ الأنسجة المزروعة، بالسرعة والطريقة نفسها، التي نمت بها عند أترابه. لكن بعد مرور بعض الوقت تفاعل جسد الطفل مع الأنسجة وبدأت هذه الأخيرة تأدية عملها طبيعياً. إن آلية البحث الجديدة وفّرت على الطفل التعرّض لعملية زرع جديدة بعد نتائج الفحوص التقليدية الناقصة
الدقّة.
يُذكر أن جامعة ديوك هي الأولى في العالم التي تعالج عارض «دي جورج» عبر زراعة أنسجة صعترية.