بلال عبودفي سوق صور القديم، تناضل بعض المحال للحفاظ على طابعها الخاص المتوارث من أجيال. عند التاسعة صباحاً، يفتح أبو محمد قهوته التي ورثها عن أبيه... عن جده. الزبائن لا يصلون في هذا الوقت المبكر، إلا أن الرجل الستيني يمضي الوقت في تجهيز النراجيل وغلي القهوة العربية المميزة برائحتها وطعمتها. محل أبو محمد ليس مقهى بالمعنى الحديث للكلمة، إنه مجلس نراجيل. أما الزبائن، فهم بمعظمهم من أهل الحي القديم في زاروب يقع قرب جامع عبد الحسين شرف الدين.
المحل قائم منذ أكثر من 200 عام، كان حماماً تركياً تقدم فيه خدمة التغسيل وشرب القهوة والنراجيل، «ولكن مع تراجع هذه الظاهرة حُوّل إلى مقهى صغير». يشير صاحب المقهى إلى تفاصيل العمارة القديمة الظاهرة في سقف محله، كما يلفت إلى لوحة أسعار عمرها 60 عاماً بأسعار المشروبات والمأكولات في ذلك الوقت. تتزاحم النراجيل من جميع الأحجام والأنواع والأعمار في محل أبو محمد، فتستحيل رؤية أي تفصيل آخر في هذا المكان.
يهتم أبو محمد بنراجيله القديمة ويفاخر بها: « هذه عمرها 300 سنة، وتلك من تركيا، وأخرى لا يوجد مثيل لها عند أحد»، ورغم أن بعض هذه النراجيل معروض للبيع، لكن يبدو أن أبا محمد لن يفرّط بها «لأي أحد». فلا يكفي أن يحمل الزبون المال، بل عليه أن يكون مهتماً بالقيمة التراثية للنرجيلة التي سيشتريها. ويتذكر أبو محمد أنه ألغى صفقة مع أحد الزبائن «لأنه طلب تنظيف نرجيلة عمرها 250 سنة، وهي بذلك ستخسر قيمتها الأثرية وتصبح مجرد قطعة حديد». يتوافد الزبائن بعد الظهر «بعد أن يكون الجميع قد عاد من عمله»، كما يشرح أبو خليل نصر، واحد من رواد قهوة أبو محمد منذ أكثر من 15 سنة. وتستمر الجلسة هنا حتى منتصف الليل، حيث يمضي أبو خليل وأصدقاءه الوقت في لعب الورق وتدخين التنبك «المميّز عند أبو محمد» وتبادل الأحاديث عن مواضيع اجتماعية واقتصادية. أما السياسة، فلا يتطرق إليها الرواد حفاظاً على راحة البال.
«المقهى» لا تتعدى مساحته أمتاراً قليلة، يلتقي رجال الحي فيه يومياً ويرحّبون بأي ضيف جديد. يتبادلون الأحاديث والمزاح، ولا يعكّر مزاج الحاضرين أي صوت. البعض يطفئ جهازه الخلوي ليستعيد زمن كانت النرجيلة وفنجان القهوة العربي من أساسيات السهرة الممتعة.