تقول الأغنية المصرية «شوف الزهور واتعلم»، ولكن تحوير الأغنية قد يكون نافعاً، يمكنك أن تتذوق الزهور لتتعلم أن تتعرف إلى نكهات جديدة في الطعام، ولتتعلم أيضاً أن تستعمل الزهور في استخدامات جديدة. قرب باريس يمكنك زيارة حديقة مخصصة لزهور الطعام ثم تتذوق أطباقاً غريبة
باريس ــ جلنار واكيم
لا تقدموا الزهور للزينة بعد اليوم، بل تلذذوا بطعمها. وإن زرعتموها في حديقة، ففكروا بنكهتها لا بشكلها. حتى زمن غير بعيد، كثيرون كانوا يعتبرون هذه الدعوة غريبة وغير عملية. فكيف يمكن أن تُشبع الزهور الإنسان؟ وهل أصبحنا فراشات لنضع الزهور في أطباقنا وصحوننا؟
رغم هذه التساؤلات، ها هو مطبخ الزهور يحقق في السنوات الأخيرة نجاحات تتزايد، وها هي العديد من المطاعم في أوروبا تدخل وجبات الزهور في لائحة الطعام لديها. جاءت الفكرة لتتوج من خلال زرع الزهور في حديقة صالحة كلياً للأكل. وفي المرة المقبلة التي تشتري فيها باقة لحبيبتك، لا تحسن اختيار الألوان فحسب، بل أحسن اختيار طعمات الزهور المتجانسة، وتذوقها قبل ذلك.
حديقة كاملة صالحة للأكل؟ ليس هناك سوى حديقة واحدة بهذه المواصفات في أوروبا، حديقة أليس كارون لامبير وكوكي دبيدو في ضواحي العاصمة الفرنسية. لامبير ودبيدو جمعهما في بداية شغفهما بالزهور، ثم الرغبة في استعمال الزهور خارج إطار التزيين. فقررتا تأسيس أول حديقة للأكل. هنا في غالي قرب قصر فرساي، أنشأتا هذه الحديقة، حديقة باتت مكانا يقصده السياح وعشاق الزهور.
ولكن قبل الاسترسال في الكلام عن الحديقة، يُوجّه عادة السؤال الآتي: من هما هاتان السيدتان؟ أليس كارون لامبير متخصصة في علم الزهور وصاحبة العديد من الكتب المتعلقة بطبخ الزهور منها «مطبخ الزهور» و«أطايب الزهور»، ومنذ عام 1995 حتى الآن، أنجزت أليس أكثر من 1000 وصفة طعام من الزهور. أما كوكي دبيدو، فهي مهندسة زراعية متخصصة بتنظيم الحدائق. وللتعرف أكثر على هذا المفهوم الجديد، كان لا بد من وقفة في الحديقة، لنتعرف على هذه الزهور الصالحة للأكل، زهور مالحة وزهور حلوة.
لدى وصولك إلى الحديقة، تستقبلك الزهور بأشكالها وألوانها المتنوعة والجميلة، وتفوح الروائح في المكان كله. يبدو المشهد ساحراً بلا شك... ولكنه مألوف، الزائر يشعر بأنه يقوم بنزهة في مكان يشبه أية حديقة أخرى. ثم تلاقيك أليس وكوكي لتشرحا لك بنية المكان. نُسّقت هذه الحديقة نسبة للطعم وليس للشكل والألوان وحسب. مساحة الحديقة 400 متر مربع وتحتوي على 170 زهرة صالحة للأكل. أما عدد الزهور الصالحة للأكل الذي رصدته أليس في العالم هو 250 وردة. وخلال النزهة، تكتشف تصنيفاً للزهور حسب استعمالاتها. هنا على يمين الحديقة زهور للسلطة. تتميز أوراق هذه الزهور بخشونتها، وتصلح لتحضير المقبلات. ومن المفضل عدم طهي هذه الأوراق على حرارة عالية. في القسم الثاني، نتعرف إلى مجموعة من الزهور أُطلقت عليها تسمية «زهور خضار». تقول أليس إنها تُستخدم في الأطباق الساخنة كالزهور المحشوّة أو الغراتان. ثم نصل إلى القسم التالي حيث صُنفت. مجموعة من الزهور للاستعمال كبهارات. وفي الجزء الأخير، زهور معطرة تُستعمل في الحلويات وزهوراً للمشروبات الساخنة. وخلال النزهة، تتوقف أليس أمام كل زهرة لتشرح ميزاتها وفوائدها وخصوصية طعمها. وقد رصدت أليس 87 نوعاً من الزهور لكل واحدة طعم مختلف، ولورقة كل زهرة خاصة مختلفة عن غيرها. الشرح النظري تستتبعه أليس بجلسة «تطبيقية»، فتقطف لنا زهرة، وإن اعتاد الزائر أن يشمّ الزهرة تنظر إليه أليس، وتذكّره بأن يتذوقها. زهور مذاقها أشبه بطعم المسك، وأخرى طعمها حاد قليلاً وأخرى كالعطرة... وتحاول بدورك أن تكتشف الفروقات بين طعم هذه الزهرة وتلك.
تؤكد أليس أن استعمال الزهور في المأكولات ليس بالأمر الجديد كلياً تماماً. ففي فرنسا، هناك وصفات تقليدية قديمة تستخدم فيها الزهور. كما أن هناك خضاراً هي زهور في الأساس كالقنبيط والملفوف الصغير (المسمى بالملفوف الزهرة). أما في الدول العربية. فالزهور حاضرة في مختلف أنواع الزهورات، كما أننا نصنع منها مربى ونزيّن بها الحلويات العربية. ولكن يبقى استعمال الزهور ثانوياً ويقتصر على بضعة أنواع من الزهور كالورود والبابونج والياسمين. وتبقى هذه الزهور مستعملة في الحلويات. أما المطبخ الذي تتحدث عنه أليس، فهو عودة إلى الجذور في استعمال الزهور وإضافة خاصة بها، تأسيس لمطبخ عصري جديد بات له جمهوره في مختلف المدن الأوروبية. وتضيف أليس أن الزهور مستعملة كثيراً في المطبخ الآسيوي، وهناك العديد من الأطباق التقليدية التي ترتكز على الزهور. وتشرح أليس أن لكل زهرة طريقة خاصة للحفاظ عليها، تماماً كالخضار والفاكهة. ولم تنسَ أليس وكوكي أن تزرعا الزهور السامة، في أحد أقسام الحديقة، جمعتا مختلف أنواع الزهور السامة، وتؤكد أليس أن لبعض الزهور قدرة على الشفاء من العديد من الأمراض. من أهم هذه الزهور زهرة الداليا المكسيكية. هذه الزهرة غنية بالأنسولين وهي تخفف من ارتفاع نسبة السكري لدى المصابين بهذا الداء.
بين بداية النزهة وآخرها، يعيش المرء تجربة خاصة مع الزهور، ويشعر بأنه يتعرف إلى «حكمة» أو «فلسفة» جديدة. تلفت الحديقة النظر إلى عالم جديد وتدعو زائرها إلى رؤية الزهور وفق نظرة غير «تقليدية»، على أي حال لن يقتصر الأمر على الشروحات، فالنزهة تنتهي بالجلوس بهدوء إلى مائدة أليس، يستمتع المرء بغداء شهي من الزهور.


وصفات متنوعةأخرى.