«هل هذا والدك؟»، «كلا إنه زوجي»، «حقاً! ولماذا تزوّجتِ بهِ؟». نقاشٌ غالباً ما نسمعه يدور بين امرأة وصديقتها الشابة التي تسير إلى جانب رجل يبدو عجوزاً. يتساءل الجميع عن الأسباب التي تدفع بفتاة في مقتبل العمر للزواج من رجل يكون فارق العمر بينهما أكثر من عشر سنوات. فعمّ تبحث المرأة في مثل هذا الزواج؟ ماذا يجد الرجل في فتاة صغيرة؟ وأسئلة أخرى تُطرح في هذا التحقيق

دعاء السبلاني
ورد أ. (18 عاماً) تزوّجت كريم ص. (37 سنة)، رغم رفض أهلها الشديد الذين ردّدوا أن «فارق العمر سيؤدي حتماً إلى مشاكل كثيرة، وبالتالي نهاية الزواج». أما ورد فتقول: «كريم مختلف جداً عن أبي، فهو يعاملني كإنسانة ناضجة، وكإنسانة لم تعرف سوى قساوة الأب والحرمان من كل ما تحبّه». وتشدد «أكثر ما أحبّ فيه هو معاملته الحسنة لبناته». تكرر ورد أن كريم «يملك درجة وعي وفهم أكثر مني، ما يمنحني الاستقرار والأمان». عندما يخرجان معاً، تنسّق ورد ملابسها حسب ثياب زوجها، ولا ترتدي إلا الثياب الرسمية «احتراماً لسنّه» كي لا يظهر فارق السن من خلال الشكل، ولكن يبقى الفارق واضحاً. وعندما تخرج وحدها، تتصرّف ابنة الثمانية عشر عاماً، التي تحبّ الجينز والألوان الفرحة، كصبيّة... أما كريم فيقول إنه تزوّجها لا «ليربّيها» بل ليطبّعها بأطباعه «وضعت فيها كل ما أحبّه في المرأة وأعاملها كابنتي في بعض الأحيان، ولكن تصرفاتها أكبر من عمرها بكثير». وأكثر ما يريحه هو أنها «لا تطالبني بالتعبير عن حبي وولهي كل دقيقة، بل تدور أحاديثنا حول الأمور العامة».
يقسم الدكتور عدنان حب الله، بروفسّور في الأمراض العصبية والنفسية ومحلل نفسي، الأسباب التي تدفع المرأة للزواج من رجل يكبرها كثيراً في السن إلى أسباب واعية وأخرى لاواعية. ومن الأسباب الواعية أن يكون هناك فوائد للمرأة من هذا الزواج. من ناحية ثانية، يقول حب الله «من الممكن أن تكون أحبت الرجل، وهنا يُطرح السؤال: لماذا ذهب خيارها اللاواعي إلى اختيار زوج من عمر والدها؟» وتكون الإجابة «هذا يعني أن لديها دواعي نفسية، وهنا يدخل عامل ما يسمى التعويض عن عاطفة وحب لم تعرفهما مع والدها، أو أنها، على عكس ذلك، كانت متعلقة به كثيراً فتختار زوجاً على صورة والدها». ويلفت حب الله إلى فتيات ينفرن من الشباب الذين يقاربونهنّ سناً، ويعتقدن أن الرجل الكبير يتفهم زوجته لأنه ناضج، ويشعرها بكيانها كامرأة وباستمرارية أنوثتها.
يشير حب الله إلى «العقدة الذكورية» التي تحملها بعض النساء، أي عندما تتمنى أنثى أن تكون ذكراً، بعدما عانت من تمييز أشقّائها وحرمانها من أشياء كثيرة تحبها، وهذا يدفع المرأة إلى الزواج من رجل كبير في العمر يعوّض لها كل ذلك.
وفي السياق نفسه، تقول المعالجة النفسية كلوديا نعمة «على الصعيد النفسي عندما نتحدث عن فارق العمر كأننا نتحدث عن عقدة أوديب. فعندما تتزوج المرأة من رجل يقارب عمر والدها فهي تبحث عن شخص يقوم بدور الأب، ويكون مثالها الأعلى وكأنها تعيش عقدة أوديب التي لم تعشها مع والدها»، وتضيف نعمة «قد تمثّل الزوجة دور الناضجة وتقلّد زوجها في كل شيء، كاللباس مثلاً، لأن الفتاة في الصغر عندما تريد أن تجذب والدها تتصرف مثل والدتها وتلبس ثيابها وكأنها تلعب دور الشريكة».
عماد ج. (49 سنة) مدير في مصرف، تزوّج بأسماء ف. (19 عاماً)، ويقول: «أحببت الكثير من النساء، ولكني أريد أن أستقر مع زوجة أربّيها وأعلّمها كل شيء على مزاجي»، أما أسماء فتقول «الزوج الكبير يستطيع أن يمنح المرأة العطف، تركت المدرسة كي أتزوج من عماد»، وتتابع «في الفترة الأولى كنت متفقة جداً معه، وأحب أن أقلده في كل شيء». بعد إنجاب ولدين، أسماء ما تزال تلبّي طلبات عماد انطلاقاً من واجبها كزوجة، لكن تفكيرها «بدأ ينضج ولا أدري كيف ستكون حياتنا عندما أبلغ الثلاثين عاماً، وهو في الستين تقريباً، أشعر بالندم وخاصةً بعدما أدركت أن مسؤوليتي كبيرة».
تعتبر نعمة أن كلمة «أربّيها» تعني أن الرجل يحب أن يؤدّي دور الأب مع زوجته حتى لو كان لديه أولاد، وتتابع «يقول في اللاوعي إنه يريد أن يربيها، ولكنه على الصعيد الواعي لا يتقصد ذلك، وأحياناً لا يقوم بفعل التربية أو السيطرة». وفي سياق حديثها عن الأسباب التي تجعل الرجل يرغب في السيطرة على زوجته، تقول نعمة «هناك احتمالان؛ إما أن والدته كانت مسيطرة عليه، فيتمثل ابنها بها حين يصبح رجلاً ويعكس هذه السيطرة على زوجته، أو أن والدته كان مغلوباً على أمرها فيتمثل الرجل بقوة والده وسيطرته ويجربها مع زوجته».
حب الله يلفت إلى أن «من تربيه على يديك يتمرد عليك» والفتاة التي يربيها الرجل ويسيطر عليها، عندما تقوى وتشعر بالتحرر تعطيه عكس ما كان يتمنى. ويلفت حب الله إلى أن المرأة التي تكون خاضعة لزوجها هي «إما خائفة أو ليس لديها شخصية».
إذا كان الرجل الكبير يعوّض للفتاة الشابة الحرمان المادي أو العاطفي... لكن ماذا تعوّض هذه الفتاة لزوجها الذي يقارب والدها عمراً؟ «إنها بديل من شبابه الضائع» هذا ما يجيب به حب الله.


اختلاف الأجيال

يعتبر عدنان حب الله أن الجنس عند المرأة لا يمكن فصله عن شخصيّتها، ويشير إلى «أن تعامل الرجل مع المرأة هو تعامل محدود في الزمن. ولكن إذا بدأت العلاقة وامتدت في ما بعد تشعر المرأة بقيمة وجودها». ويتابع «الرجل الكبير ضعيف لأنه فقد شبابه أو جزءاً منه، وهي تحبه لضعفه لا لقوته وعنفوانه لأنها ضعيفة أيضاً». تقول كلوديا نعمة «عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الزوجية الخاصة تبدأ المشاكل، ففي مرحلة ما سيعجز الرجل الكبير عن تأمين حاجات المرأة الجسدية ولا يشعر أن بإمكانه مجاراتها. أما على الصعيد الاجتماعي والتربوي، فتتحدث نعمة عن مشاكل عديدة وتشير إلى «شعور الرجل بجرح كبير عندما يعتقد الناس بأنه والد زوجته. ويسبب اختلاف الأجيال بين الزوجين مشاكل، فلكل منهما أفكاره التي يريد أن ينقلها إلى أولاده».