عندما تضع اسم دواء «سايتوتك» على محرّك البحث، لن يأتيك من الصفحات الكثيرة التي ستفتح أمام عينيك سوى رابط واحد يفيد بعلّة وجود هذا الدواء واستخداماته الأساسية. أما بقية العناوين التي لا مجال لإحصائها فتشير إلى طرق واستخدامات أخرى لهذا الدواء، أدّت في كثير من الأحيان إلى الموت.
«سايتوتك» الذي يفترض أن يعالج التقرّحات في المعدة والأمعاء، أو ما يسمى بـ«القرحة الهضمية»، عبر إطلاق «الميسوبروستول» الذي يساعد في حماية بطانة المعدة، بات «حبة الإنقاذ» بالنسبة إلى نساء كثيرات يردن التخلّص من حملهنّ، ولو أدّى بهنّ الأمر في نهاية المطاف إلى احتمالين لا ثالث لهما: العقم أو الموت. وإن حالف الحظ بعضهنّ، فستكون النجاة المحفوفة بالمخاطر. والسبب؟ استخدامهنّ للدواء من دون استشارة طبيب وبلا معرفة بكيفية الاستعمال، مكتفين بإرشادات مواقع إلكترونية كثيرة ترسل لهنّ الدواء «دليفري» إلى عقر دارهنّ.
أما كيف بدأت حكاية تحوير استخدامات هذا الدواء؟
ربما، يجدر بنا البدء من «الروشتا» الموجودة داخل علبة الدواء. في قائمة المحاذير التي عادة ما تذيّل آخر تلك الورقة، ثمة إشارة إلى أن هذا الدواء «يسبّب تقلّصات في الرحم»، لذلك ينبغي بالنساء الحوامل ألا يستخدمنه. لكن، هذا التحذير كان الدافع لنساء كثيرات لا يرغبن بحملهنّ، لأسباب متنوعة، للجوء إلى تلك الحبوب. غير أن الرياح لا تجري غالباً كما تشتهي السفن، إذ يشير طبيب التوليد والأمراض النسائية، الدكتور سمير الحسامي، إلى أنّ تحوير استخدام «السايتوتك» من قبل بعض النساء انتهى بموتهن «وليست كل قصص الموت التي تحدث على هذه الشاكلة تُنشر»، مشيراً إلى حالات وفيات كثيرة حدثت، و«كأنّها لم تكن». مرّت مروراً عابراً ومعها حيوات أمهات وأجنّة.

يسبّب دواء سايتوتك تقلّصاً
في الرحم لذلك يمنع استخدامه من قبل النساء الحوامل


لا تُسجّل وفيات الإجهاض على هذه الشاكلة، وإن كان الحسامي يشير إلى أرقامٍ «كبيرة». ولكن، «لا أحد يعرف بها». وهذه «مصيبة كبرى». ويتحدّث هنا عن سوء استخدام النساء لهذا الدواء، علماً أنّه في بعض الحالات الطبية، يلجأ إليه الأطباء. وهنا، يبدأ الحسامي قوله بأن «سايتوتك يستخدم في الغالب لعلاج داء القرحة لدى الأشخاص الذين يستعملون الكورتيزون تحديداً، على أن لا يتعدّى استخدامه ما بين الحبة والثلاث حبات يومياً». هذا هو الأساس. ولكن في بعض الحالات «نلجأ لله نحن أطباء التوليد في حالات محدّدة، منها مثلاً استخدام حبة في المهبل للمرأة التي على وشك الولادة من أجل تحفيز الولادة، وهذه تكون في حال حدث تأخير في الولادة بشكلٍ يؤثر في الجنين أي إذا ما دخلت تلك المرأة الأسبوع الواحد والأربعين». وثمة حالة أخرى يستخدم فيها الدواء «وهو عندما يموت الجنين في رحم المرأة أو إذا كان هناك تشوه خلقي وكان من الضروري التخلص من الجنين».
هذه هي الحالات إذاً. وفي جميعها، يستخدم الطبيب حبّة أو حبتين للتحفيز لا أكثر. أما في الحمل «اللي بالغلط» وغير المرغوب فيه، فلا شيء يبرّر ذلك الاستخدام. وهنا، يشير الحسامي إلى أن المخاطر أكبر من تصورات المرأة التي تريد التخلّص «من شيء غير مرغوب به». هي الوصول إلى الموت، أو في أسوأ الاحتمالات «يموت الجنين في رحمها ويبقى عالقاً هناك ما يستدعي إجراء عملية، وإن لم تفعل تسمم جسمها». يلخّص الطبيب هذه المخاطر بالقول: «هون الأزمة مش بالخطر على الصحة، وإنما على الحياة». هذا ببساطة ما يفعله سوء استخدام حبوب «السايتوتك»، حيث تعمد بعض النساء الحوامل إلى أخذ ما لا يقل من ثماني حبات وتصل في بعض الأحيان إلى 12 حبة، لتسريع عملية الإجهاض! ولكن، غالباً ما يحدث العكس، إذ تجهض حياة الجنين وحياتها دفعة واحدة «وشركات الدفن ما بدها شي لتجهّز»، يقول الحسامي بأسف. فمن المسؤول إذاً عن كل هذا؟ يشير الحسامي إلى مسؤولية مزدوجة، منها ما يقع على عاتق الشباب والشباب ومنها ما يقع على عاتق «بعض الزملاء الذين يصفون ذلك الدواء لمن يرغب». وهذه لا تكلّف أكثر من «بضع ليرات». ثمّة منفذ آخر لشراء هذا الدواء الذي لا يتعدّى سعره الثمانية عشر ألف ليرة لبنانية ـ أي 12 دولاراً يمكن أن تتوفّر في أية لحظة ـ وهو طريق التهريب أو الدواء الذي يحمل التركيبة نفسها. وهي تجارة رائجة هذه الأيام. عندها، ماذا ينفع تحذير وزاري بمنع الصيادلة من إعطاء هذا الدواء بلا وصفة طبية؟ ماذا عن ضمير البعض؟ وماذا عن «خدمة» الإنترنت؟ من المسؤول عن إيقاف بيع هذا الدواء وما يشبهه عن طريق الإنترنت؟ من يراقب؟ الجواب في حوزة من؟ لا أحد يعرف، أما الموت فحبل جرّار.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]