هل يمكن علاج مرض التوحّد قبل الولادة؟ طُرِح هذا السؤال ذات مرّة في إحدى المواقع الفرنسية التي تتعلّق بالصحة. يومذاك، لم يأت السؤال من العبث، وإنما كان طرحه مقصوداً، للخروج بجواب على شاكلة «نعم، بات بالإمكان فعل ذلك». قد يقول قائل بأنّه من المستحيل أن يكون الجواب «نعم»، خصوصاً في ظلّ اعتبار مرض التوحد اضطراب يجري اكتشافه من خلال التنشئة الاجتماعية وليس في الرحم، ما يجعل العلاج قبل الولادة أمراً شبه مستحيل.
لكن، التجارب التي قام بها علماء فرنسيون، ولا تزال تستكمل إلى الآن، تشير إلى إمكانية القضاء على مرض التوحّد في «مهده». أما كيف يحصل ذلك؟
بواسطة عقار مدرّ للبول من فئة «البوميتانيد»، والذي يستخدمه عادة المصابون بضغط الدم. هذا هو الجواب. ينطلق العلماء في «فتحهم» هذا من التجارب التي أجروها «على الفئران والتي أظهرت وجود مستويات عالية وغير طبيعية من الكلوريد، وهو الأيون السالب للملح، في الخلايا العصبية الجينية، في الوقت الذي يفترض أن تكون موجودة بشكلٍ طبيعي».

يستخدم عقار البوميتانيد عادة المصابون بضغط الدم
وفي هذا الإطار، لفت الباحثون، من خلال التجارب إلى أنّ «هذه التغيرات غير الطبيعية في الكلوريد يمكن أن تكون مسؤولة عن إصابة مخ الأطفال حديثي الولادة بالتوحد في مراحل لاحقة من طفولتهم». ولتأكيد ما توصلوا إليه، عمد الباحثون إلى بدء تجارب جديدة على عددٍ من الأطفال المصابين بالتوحد في أوروبا، من أجل التعرّف إلى آليات عمل المرض. وقد استهدفت التجارب 60 طفلاً مصاباً بالتوحّد ما بين عمر الثلاثة والأحد عشر عاماً، حيث جرى إعطاء الأطفال دواء «بوميتانيد» لمدة ثلاثة أشهر مع شهر للمراقبة. وقد أظهرت النتائج تقدّماً بالنسبة إلى الأطفال الذين يعالجون من خلال هذا الدواء.
مع ذلك، يكمل الباحثون تجاربهم قبل إعلان النتيجة النهائية. مع ذلك، ثمة يقين بأنّ البوميتانيد «سيقضي على التوحّد في مهده إذا ما جرى حقنه أثناء الولادة أو قبلها بقليل لأنه يعمل على تحويل العمليات الكيميائية الخاطئة التي يقوم بها المخ أثناء النمو»، على ما يقول العالم هيتسكل بن آري الذي قاد هذه التجارب.
إذا، ثمّة أمل بحدوث المعجزة للقضاء على المرض الذي لا يزال التعاطي معه وكشف أسبابه غامضاً. هذا المرض الذي يطال طفلاً من بين 60 آخرين. وهذه نسبة تكاد تكون متقاربة ما بين دول العالم.