إنّ شعور امرأة على مشارف الخمسينيات بتعرّق متقطّع و«هبّات» ساخنة واضطرابات في النوم هو أمر متوقّع في عصرنا هذا، جرّاء انقطاع الطمث. لكنها، ليست كذلك بالنسبة إلى طبيب النساء الأشهر في العصر الفيكتوري، إداوارد تيلت، الذي قام في عام 1855 بوصف عوارض انقطاع الطمث لدى إحدى النساء بـ«جنون سن اليأس». وأعطاها، يومذاك، «كوكتيلاً» غريباً من العلاج لا يمتّ إلى الطبّ بشيء.
ويومها ساد الاعتقاد بوجود تواصل مباشر بين دماغ المرأة ورحمها والمبيضين، فإذا ما دخلا «سن اليأس»، هاج الدماغ ودخلت معه المرأة باضطرابات نفسية وشبق جنسي وهستيريا لا تسكن إلا إذا تمّ استئصال أعضائها التناسلية، منعاً للفتنة والأفكار الانتحارية!
سبق أرسطو ومعه أبو الأطباء أبقراط كل أطباء عصر النهضة، وأكدوا على طبيعة تحولات جسم المرأة عند انقطاع طمثها وعلى عدم ارتباط ذلك بأية حالة مرضية أو جنسية. غير أن التلازم الذي فرضته غالبية المجتمعات بين قيمة المرأة وخصوبتها وقدرتها على الإنجاب، جعلا من توقف الطمث مهلكة للنساء ومصدراً للخجل واليأس والاضطرابات النفسية والجنسية إلى حدّ تسميته سنّ اليأس. التسمية العلمية لهذا المصطلح هي «مينو ـ بوز»، وجاءت من عند الطبيب الفرنسي تشارلز دو غاردان، واصفاً بذلك توقف الطمث الشهري. لكن، في كل الأحوال، لم تكن كل التسميات والتوصيفات والعلاجات من الهستيريا إلى الشبق والجنون إلى كوكتيلات الأفيون إلا من اختراع أطباء ذكور مرتعدين من «فورة الرحم الجنسية».
كان لا بدّ من السيطرة على هذه المحطة غير المفهومة أساساً في حياة المرأة بدفعٍ من الأبحاث الطبية والصحة الجنسية. حصل ذلك في أواسط القرن الماضي ودخل توقف الطمث كحالة إلى عضوية نادي المشاكل الطبية، تستدعي التشخيص والمشورة والسيطرة والعلاج، وتلبّست النساء لبوس الخجل والمراضة و«اليأس» من هذه المرحلة. هكذا، أصبحت النساء يدخلن إلى المينوبوز كالعابرات إلى خريف العمر، حزينات وغير مكترثات بصحتهنّ الجسدية والجنسية والنفسية. يبدو ذلك جلياً في الفصل النافر بين المرأة الحامل وغيرها في المتابعة الصحية. فبينما يقوم السواد الأعظم من الحوامل بالالتزام بالرعاية الصحية الدورية، لا تتجاوز نسبة المتابعات من النساء في مرحلة انقطاع الطمث وما بعده 20%. يُلزم المجتمع  الحوامل بالمتابعة ـ وهذا أمر ضروري ومطلوب ـ للاطمئنان إلى سلامة الجنين، بينما لا يلتزم نفس  المجتمع بدفع المرأة في أواسط العمر وما بعده أو غير الحامل أو العزباء إلى الزيارات الطبية الوقائية والعلاجية. هناك في أواسط العمر، حيث تزداد مخاطر المراضة والاعتلال والاضطرابات الجنسية، يُصبح للتوعية والوقاية والتقصي أهمية كبيرة لصحة المرأة الجسدية والجنسية والنفسية. هناك يبقى تقصي السرطانات النسائية أقل ما نرغب، وتحديد الاضطرابات الجنسية قراءة في الفنجان.
لكنها الخصوبة والإنجاب، وليست الصحة الجنسية ما يستدعيان الرعاية والاهتمام، خاصة عندما تعتبر غالبية الناس أن مسألة الجنس والصحة الجنسية غير مطروحة عند النساء في مرحلة انقطاع الطمث وما بعدها. أظهرت الدراسات عن العلاقة الجنسية في تلك المرحلة تواتراً أسبوعياً منظماً لها ورغبة في الحميمية الجنسية تجاوزت اعتبارات وظنون الناس، مما دفع الباحثة روز ماري بيسون لتطوير «دورة الأداء الجنسي» لتكون أكثر فهماً وانعكاساً للحياة الجنسية الناشطة لدى النساء والأفراد في العمر المتقدّم. لا يجب للصحّة الجنسية أن تضعف أو تذوي في هذا العمر ما دامت المرأة ترى في انقطاع الطمث مرحلة طبيعية، كغيرها من مراحل الحياة، تستدعي المتابعة الصحّية الروتينية، خصوصاً أن النساء، وبحسب الدراسات، يعشن ثلث معدّل أعمارهنّ في مرحلة ما بعد المينوبوز متخففات من الكثير من الأعمال العائلية التي كانت تؤثّر في حياتهنّ الجنسية.
ليس هناك من دليل علمي قاطع على انخفاض الرغبة الجنسية أو الأداء الجنسي جرّاء انقطاع الطمث، بل قد يحدث بعضٌ من ذلك أحياناً مع تقدم العمر لدى النساء والرجال على حدّ سواء. وفي أحيان أكثر تزيد الرغبة الجنسية والإثارة ويتحسن العمل الجنسي مع المشاعر الإيجابية والحميمية بين الشريكين مع انكفاء مسؤولية الاهتمام بتربية الأولاد. أما بالنسبة إلى ما يذهب به تقدّم السنين من متعة الجنس، فتتكفل بعودته علاجات طبية مختلفة فعّالة ومشورة وتوعية حول سلوكيات حياتية، أظهرت جميعها فائدة ملموسة في تعزيز الصحة الجنسية، كما تشير منشورات وأبحاث الجمعيات العلمية في مختلف بلاد العالم. لا نتحدث هنا عن وصفة سحرية، إنما عن مجموعة خيارات فعّالة تناسب تعاطي كل امرأة مع هذه المرحلة من حياتها. يختلف عمر حدوث المينوبوز وأثره وعوارضه بين امرأة وأخرى، فبينما يواجهنّ الهبات الساخنة في الغرب، يشتكين من آلام الكتف في اليابان، ومشاكل العيون في الهند، واضطرابات جسدية ونفسية في الشرق الأوسط (أواخر الأربعينيات).  يبقى أساسي هنا أن لا تخضع المرأة لمركّبات مجتمعية تشوّه إدراكها لجسدها «المترهّل» وجنسانيتها «المندثرة» وحياتها «الهامشية»، ونفسيتها «المضطربة». عندها تستسلم ظُلماً لسن اليأس بدل الإقبال على كل الإرشادات والتوصيات المتاحة لها على كل الأصعدة صحياً ومجتمعياً وأسرياً، والسعي لزيارات الرعاية الصحية والإرشادية بصورة دورية.
المينوبوز أسلوب حياة، والصحة الجنسية تبقى في حياة المرأة (والرجل) ما بقي أسلوب الحياة أسلوباً للحياة وليس اليأس والإحباط.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية