السيلياك. ليست رائجة تلك الكلمة بين لائحة الأمراض التي تصيبنا، فإذا ما فتشت عن مرض السيلياك لن تجده منفرداً كمرضٍ بحدّ ذاته، وإنما كـ«فرع» من أمراض الجهاز الهضمي. هذا المرض، الذي يعرّف طبياً بحساسية «غلوتين القمح»، هو مرض شائع في «السرّ»، يقول الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي والكبد، الدكتور نديم جورج. أما كيف ذلك؟ يرجع جورج هذا القول إلى مشكلة «مزمنة» تتعلق بتأخّر التشخيص، إذ أنه يمكن الإصابة به لسنوات طويلة من دون علم بوجوده.
وفي هذا الإطار، يلفت جورج، استناداً إلى خبرته الطبية، إلى أن غالبية المصابين بهذا الداء لا يعرفون بأنهم مصابون، إذ أن هؤلاء يظنّون بأن لديهم أوجاعاً في الجهاز الهضمي لا أكثر ولا أقل. وهنا، تكمن أهمية التشخيص كي يستطيع المريض علاج مرضه.
قبل الدخول في تفاصيل هذا الشق الذي يسبق العلاج، لا بدّ من التطرق لأبسط الأمور وهو الإجابة عن أسئلة الكثيرين عن ماهية هذا المرض. يعرّف الأطباء السيلياك بأنه نوع من الحساسية تجاه «الغلوتين» الذي يوجد في القمح والشعير (وهو الذي يعطي الخبز والعجينة تماسكها وليونتها والطبيعة المطاطية)، تصيب الأمعاء الدقيقة، بسبب عدم قدرتها على هضم تلك المادة، ويسبّب التهاباً وتلفاً في البطانة المعويّة، بحيث لا تعود شعيرات المعي (الزغب) قادرة على امتصاص المكوّنات الغذائية الأساسية للجسم، كالفيتامينات والمعادن والبروتينات والسكريات.
وتتفاوت الأعراض من شخص إلى آخر. ففي حين تكون أعراض الجهاز الهضمي هي الشائعة عند أكثر المرضى قد يحضر مرضى آخرون للعلاج بسبب أعراض ومظاهر أخرى مثل فقر الدم الحاد أو آلام العظام والعضلات بسبب هشاشة العظام أو تأخّر النمو، تحديداً لدى الأطفال.
لكن، كل تلك العوارض التي تنذر بالخطر لا تجعل من السيلياك مرضاً نادراً ومخيفاً، إذ من الممكن أن يتعايش المريض مع ما يصيبه باتباع الحمية الغذائية «المطلوبة». وهي ليست أي حمية، وإنما تأتي من بعد التشخيص الدقيق. وهنا، يتحدّث جورج عن هذه المرحلة، مشيراً إلى أنّها تشمل فحوصاً خاصّة بالدم، ومنظاراً للإثني عشري في المعدة، مع أخذ «خزعة» من المنطقة المصابة.
عقب هذه المرحلة، تبدأ مرحلة العلاج، المستندة إلى شقين: الأول المتعلّق بالأدوية التي يجب على المريض أخذها والثاني بالحمية الغذائية التي هي أساس هنا. وتحت عنوان «الحمية»، يمنع على مريض السيلياك تناول كل ما يمكن أن يحتوي على مادة الغلوتين، ومنه الخبز والمعكرونة والبرغل والشعير ومعظم النشويات. هذا الغياب لهذه المكونات، قد يعوّضه المريض بزيادة اتّكاله مثلاً على أنواعٍ أخرى من الطعام منها الأرز والذرة والبطاطا واللحم والخضار.
هذه الحمية، التي يعتبرها البعض بمثابة «القصاص»، ولكنّها الأساس في علاج السيلياك، وإلا فالمخاطر قادمة. وهي مخاطر لا حصر لها يمكن أن تبدأ بفقر الدم وترقق العظم ولا تنتهي بسوء التغذية وتأخر النمو وزيادة احتمال الإصابة بسرطان الأمعاء والسكري. كما أن لها مخاطر أخرى منها نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم وتقرّح الفم وضعف عملية الهضم والانهيار العصبي وعدم القدرة على امتصاص مادة اللاكتوز. يضاف إلى ذلك المشكلات النسائية التي يمكن أن تتعرّض لها المرأة في عملية الولادة وفي موعد الطمث. مع ذلك، تفيد إعادة التذكير بأن السيلياك ليس مرضاً نادراً، ولكنّه يستوجب العلاج، على الأقل مراعاة ما تأكلونه على مائدتكم.