لئن كان هذا السؤال يشي بالغرابة بالنسبة إلى كثيرين، ولكنّ الجواب فعلاً هو «نعم»، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن «سيكولوجية الألوان تعدّ من أهم العوامل المؤثرة في الشهية، وهي صالحة للاستخدام كعلاج مساعد في حالات فتح الشهية عند الأطفال تحديداً»، كما أنها تستخدم في الوقت نفسه في الاتجاه المعاكس: في سدّ الشهية.
وفي هذا الإطار، بيّنت الاختصاصية النفسية والكاتبة كارين كوينغ في دراسة نشرت في كتاب «fast food nation»، أنّ «لون الغذاء يؤثر في الوجبات وكمية تناولها»، وهي الحالة المزاجية التي استغلها مصنّعو المواد الغذائية والمطاعم لصالحهم. وتتابع كوينغ بالقول إنّ «تأثير اللون يرتبط بالمزاج وتالياً بالعاطفة وله دور في تأجيجها أو إخمادها، وهو ما ينعكس في النهاية على نسبة الهضم»، مقترحة، في هذا الصدد، بأن يقوم «الفرد بتحديد حالته المزاجية قبل الإقدام على تناول الطعام والهدف من تناول الوجبة لإشباع رغبته العاطفية وتحسينها من خلال اللون الذي يعبر عن تلك الحالة». ولأن سيكولوجية الألوان تعدّ من المؤثرات الرئيسية في الشهية، كان اللعب على هذا الوتر، بدءاً من اختيار ألوان أطباق تقديم الطعام، وكذلك المفارش المستخدمة. فهذه الأشياء على بساطتها لها أثر كبير في كمية الطعام التي يمكن أن نتناولها... وحتى ألوان «الجدران» لها الأثر البالغ، ولذلك نجد معظم المطاعم تهتم بطلاء جدرانها بألوانٍ زاهية في معظم الأحيان، مع استخدامها أطباقاً ذات ألوانٍ «فاتحة» للشهية والتي تقدم فيها طعاماً بألوانٍ مختلفة ومتناغمة في الوقت نفسه، بعضها مع بعض. اللون والرائحة والطعم. ثلاثة عناصر توازي النكهة وتلعب دوراً مهماً في الكمية التي يتناولها الفرد.

يرتبط تأثير اللون بالعاطفة وهو
ما ينعكس على
نسبة الهضم


وحول هذه النقطة بالذات، قامت دراسة دانماركية بدراسة تأثير المواد الغذائية التي يتناولها الفرد من خلال اللون على الكمية التي يتناولها والصلة للإدراك الحسي للغذاء والقدرة البشرية على تنظيم الشهية بحسب هذا المبدأ. وخلصت إلى أن هناك علاقة وثيقة بين اللون والكمية، ذلك لأن الأول يجعل الفرد يحسّ بالشبع مقارنة مع أغذية عادية ـ بلا ألوان جذابة. وأكثر من ذلك قد يتسبب لون الطعام وتنوعه في الطبق بإصابة الفرد بالتخمة. وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن دليل الطعام الكندي، والذي يُعرف باسم «مبدأ قوس قزح»، وهو الذي يستند إلى الألوان الأساسية لقوس قزح، والتي تشمل الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر. وبحسب هذا المبدأ، يشمل اللون الأصفر منتجات القمح، واللون الأخضر الخضار وبعض أنواع الفاكهة واللون الأزرق منتجات الحليب واللون الأحمر اللحوم وبدائلها. ما يدعونا إليه هذا المبدأ هو ضرورة توفّر هذه الألوان الأربعة في الطبق لكي تمنح الفرد القيمة اللازمة، وبشكل متوازن من دون زيادة لون ما على حساب الآخر، فكل واحد منها يتمم الآخر.
لكن، هذا لا يعني أن نختار الأطعمة التي نحب بلون واحد، وفق مبدأ أن كل لون يحتوي على قيمة غذائية مختلفة عن اللون الآخر. فهذا المبدأ خاطئ ولا يعطي الفرد القيمة الغذائية المرجوة. وهنا، تجدر الإشارة إلى وجود «استثناءاتٍ» هنا منها الأطعمة الملونة اصطناعياً والنكهات القوية غير الطبيعية لتأثيرها السلبي على الجسم، كتسببها ببعض أنواع السرطانات وأمراض مزمنة أخرى.
ولمحاربة جاذبية الأغذية الملونة اصطناعياً، التي تسبب في غالب الأحيان سوء التغذية للفرد، يجب أن نتذكر دائماً أن تناول الملح والسكر والدهون في هذه الأطعمة لا يفيدنا بشيء، وبدلاً من ذلك يمكننا العمل على توسيع رقعة الألوان في الأطعمة الطازجة المغذية.

جاذبية الألوان

توجد الألوان، طبيعياً، في كل من الخضار والفاكهة، ويعبر لونها عن طبيعة المواد الغذائية الموجودة فيها، والمهمة تالياً للصحة. فكل لون يدل على مجموعة من هذه العناصر الصحية والجمع بينها في طبق واحد أو تناول الألوان المتنوعة خلال اليوم يعني أننا نحصل على قدر مهم ومتنوع من الفائدة الصحية. وتتميز هذه الألوان بدلالتها على وجود مضادات الأكسدة المهمة للجسم مثل الكاروتينات والانثوسيانين وغيرها، مما يجعلها قادرة على محاربة أمراض الشيخوخة وأمراض القلب والشرايين، وكذلك المساهمة في الوقاية من أنواع السرطان المختلفة.

اللون الأخضر وتعزيز الطاقة

تلعب الأطعمة الخضراء دوراً مهماً في وقاية الجسم من أمراض مختلفة عدّة، بحسب جمعية السكري الأميركية، فهي تعزز الرؤية الصحية وتخفض خطر الإصابة بالسرطانات ومنها الخضر الورقية مثل السبانخ واللفت، حيث تحتوي على كميات ثمينة من الحديد المهم لزيادة الطاقة. أضف إلى ذلك أن الكثير من النساء يصبن عند مرحلة ما بنقص الكالسيوم الحيوي للعظام، من هنا يجب أن تتنوع خياراتهن الصحية من الأطعمة الخضراء قليلة السعرات الحرارية والدهون والمدعمة بالكالسيوم، ومنها الأفوكادو والتفاح والعنب والكيوي والهليو والليمون الحامض والقرنبيط الأخضر وبراعم بروكسل والفاصولياء الخضراء والفلفل.

البرتقالي والأصفر وقوة مناعة الجسم

والموجودان في أطعمة مثل الجزر والقرع والبطاطا الحلوة والمشمش والمانغو واليقطين، والتي تحتوي على نسبٍ عالية من الكاروتينات مثل البيتا كاروتيين وهو شكل من أشكال الفيتامين «A» الذي يعزز جهاز المناعة بصورة كبيرة، بحيث يحمي الجسم من الأمراض وبعض أنواع العدوى. كما أن هناك أنواعاً من الأطعمة مثل الحمضيات والأناناس والتي توفر كمية كبيرة من فيتامين «C» الذي يدعم هو الآخر مناعة الجسم ويقويها. من ناحية أخرى، يجنح الكثير من المطاعم إلى اللون الأصفر الفاتح لما له من تأثير في الزبائن ودوره في تحفيز الذاكرة والإدراك والاختيار.

اللون الأحمر والشعور بالأمان

يميل الأفراد العصبيون لتناول الأطعمة الحمراء الحارة التي تعيد الشهية وتحسنها وتمنح تالياً الشعور بالسعادة. فهذه الأطعمة غنية بالمواد المضادة للأكسدة مثل الليكوبين والبيتا كاروتين في الفاكهة الحمراء مثل التوت والفراولة والخضار مثل البندورة والشمندر والفجل وجميعها تسهم في تعزيز صحة الجهاز المناعي وتوفر الحماية من الأمراض، بما في ذلك التهابات المسالك البولية وسرطان البروستاتا، كما تخفض خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

اللون الأزرق و«النفسية»

من الأطعمة ذات الألوان المختلفة التي تنعكس على النفسية الأطعمة ذات اللون الأزرق، فهو لون يساعد في الشعور بالهدوء. وفي هذا الإطار، تشير إحدى الدراسات إلى أن من يميل لتناول وجبة دسمة عليه بتناول طعام بلون أزرق قبل هذه الوجبة أو استخدام أكواب وصحون باللون الأزرق. والأغذية التي تتميز بهذا اللون وحتى الأرجواني ذات فائدة كبيرة ـ منها الباذنجان والعنب البري والعليق ـ وجميعها تساعد في الوقاية من أنواع مختلفة من السرطانات وتعزز صحة المسالك البولية والداء الوظيفي للذاكرة.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]