كثيراً ما كنا نسمع في السابق كلمة «لقوة». كانت تلك الكلمة هي الأكثر شيوعاً، أو بالأحرى، هي ما نعرفه. لم يكن ثمة أحد يعرف غير هذا المصطلح. أما في الجانب الطبي، فلا وجود لتلك الكلمة في القاموس الرسمي. فاللقوة، طبياً، هي ما يُعرف بشلل الوجه النصفي الذي يسبّب ضعفاً مفاجئاً في العضلات، مما يجعل نصف الوجه وكأنّه «يتدلّى» والابتسامة تنحرف من جانبٍ واحد، فيما العين على هذا الجانب تبقى مفتوحة، وكأنها تقاوم الإغلاق. يمكن أن يحدث هذا الشلل، والذي يعرف أيضاً باسم شلل بيل في أي عمر، إذ أنه ليس محصوراً بعمرٍ معيّن. فالكل معرّض للإصابة.
في أصل التسمية، يعود شلل بيل إلى تشارلز بيل الذي وصف لأوّل مرّة شلل الوجه الناجم عن الصدمة في الفروع الطرفية للعصب الوجهي في عام 1800. بتفصيل أكثر، يمكن تعريف العصب الوجهي بأنه أحد الأعصاب الـ12 التي تخرج من الدماغ مباشرة وترتيبه السابع، وهو مسؤول عن أغلب حركات وتفاصيل الوجه الدقيقة، كما أنه يساهم في إيصال الإحساسات إلى الدماغ، خصوصاً بالنسبة إلى أغلب أجزاء الأذن واللسان.
إلى الآن، لا يزال السبب الرئيس والدقيق غير معروف، ولكن ثمة اعتقاد بأنه يتأتى نتيجة لتورّم والتهاب في العصب الذي يسيطر على العضلات على جانب واحد من الوجه.

لا يُنصح بالجراحة هنا خوفاً من المخاطر المحتملة التي قد تسبب فقدان السمع الدائم
وقد يكون، في الغالب، ردّ فعل يحدث نتيجة عدوى فيروسية. وهنا، تشمل الفيروسات التي تم ربطها بشلل بيل تلك التي تسبّب القروح الباردة والهربس التناسلي (الهربس البسيط) وجدري الماء وكريات الدم البيضاء (إيبشتاين بار) وعدوى الفيروس المضخم للخلايا وأمراض الجهاز التنفسي (أدينوفيروس) والحصبة الألمانية وفيروس النكاف والإنفلونزا (أنفلونزا B) ومرض اليد والقدم والفم (كوكساكي فيروس).
بالنسبة إلى معظم المصابين، فإنّ شلل بيل مؤقت، وعادة ما تبدأ أعراضه بالتحسّن في غضون بضعة أسابيع، على أن تنتعش بشكلٍ كامل خلال فترة ستة أشهر، وهو نادراً ما يتكرر. مع ذلك، يبقى عدد قليل من المصابين عرضة لاحتضان أعراض هذا الشلل للحياة. وفي غالب الأحيان، يطال هذا المرض المرأة الحامل، وخصوصاً خلال الشهر الثالث من الحمل أو في الأسبوع الأول بعد الولادة، والمصابين في جهازهم التنفسي العلوي، كالإصابة بالإنفلونزا أو البرد، ومرضى السكري، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين لديهم هجمات متكررة منه، وهؤلاء لديهم تاريخ عائلي من الهجمات المتكررة. في هذه الحالات، قد يكون هناك استعداد وراثي لشلل بيل.
أما بالنسبة إلى أعراض هذا الشلل وعلاماته، فهي متنوعة، وقاسمها المشترك أنها تأتي بشكلٍ مفاجئ. وتشمل: بداية سريعة من ضعف معتدل إلى شلل كلي على جانب واحد من الوجه وتحدث في غضون ساعات إلى أيام وتدلّي الوجه وحدوث صعوبة في تعبيراته، مثل إغلاق العين أو الابتسام والألم حول الفك أو داخل الأذن أو خلفها على الجانب المصاب وزيادة الحساسية للصوت على الجانب المصاب وصداع الرأس وانخفاض في القدرة على الذوق والتغيرات في كمية الدموع واللعاب. وفي حالات نادرة قد تؤثر هذه العوارض في جانبي الوجه.
لا تمرّ عوارض شلل بيل من دون مضاعفات، ففي حالات «انتعاش» هذا الشلل، قد يؤدي ذلك إلى ضرر لا رجعة فيه للعصب الوجهي وإعادة توجيه غير مرغوب فيه للألياف العصبية، الأمر الذي يؤدي إلى تقلّص غير طوعي لبعض العضلات عندما يحاول المرء نقل مشاعره للآخرين، والعمى الجزئي أو الكامل للعين التي لن تغلق بسبب الجفاف المفرط والخدش في القرنية.
ليس هناك اختبار محدد لشلل بيل. ويمكن أن يعتمد بداية على كشف الطبيب من خلال النظر إلى وجه المريض والطلب منه تحريك العضلات عن طريق إغلاق عينيه، ورفع جبينه، والكشف عن أسنانه وغيرها من الحركات. وهناك حالات أخرى - مثل السكتة الدماغية، والالتهابات ومرض لايم والأورام - يمكن أن تسبب أيضاً ضعفاً في عضلات الوجه، وهي تحاكي شلل بيل. وهنا، ينصح باتخاذ إجراءات أخرى منها إجراء تخطيط كهرومغناطيسي، إذ يمكن من خلال هذا الاختبار التأكد من وجود تلف في الأعصاب وتحديد شدتها. ويقيس هذا الاختبار أيضاً النشاط الكهربائي للعضلات رداً على التحفيز وطبيعة وسرعة توصيل النبضات الكهربائية على طول العصب.
وهناك أيضاً التصوير الضوئي. التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب، فقد تكون هناك حاجة في بعض الأحيان لاستبعاد مصادر أخرى محتملة للضغط على العصب الوجهي، مثل الورم أو كسر الجمجمة.
بعد التشخيص، تأتي مرحلة العلاج، وإن كان معظم الناس الذين يعانون من شلل بيل يعافون تماماً حتى من دون علاج. وليس هناك علاج واحد يناسب الجميع لعلاج شلل بيل، ولكن هناك أدوية أو مساعدة بالعلاج الطبيعي. وفي العلاجات ثمة أدوية متعارف عليها وشائعة ولكن تبقى حماية العين التي لا يمكن أن تغلق من الأمور الضرورية باستخدام قطرات العين لـ»تشحيمها» خلال النهار ومرهم العين في الليل سيساعد في إبقاء العين رطبة يحميها من الخدش. كما أنه ينصح بارتداء نظارات أثناء النهار. كما يساعد وضع قطعة قماش غارقة في المياه الدافئة على الوجه عدة مرات في اليوم في تخفيف الألم، إضافة إلى القيام بتمارين العلاج الطبيعي، فقد يساعد التدليك وممارسة رياضة تحريك العضلات، وفقاً لنصيحة المعالج، في استرخائها. أما الجراحة فنادراً ما تكون خياراً ولذلك أسباب. وتجدر الإشارة إلى أنه في الماضي، جرى استخدام جراحة «إزالة الضغط» لتخفيف الضغط على العصب الوجهي من خلال فتح الممرّ الذي يعبر من خلاله العصب. أما اليوم، فلا يُنصح بتلك الجراحة خوفاً من المخاطر المحتملة والتي قد تسبب فقدان السمع الدائم. في حالاتٍ نادرة، قد تكون هناك حاجة إلى جراحة التجميل لتصحيح ما آل إليه الوجه.
* اختصاصي جهاز عصبي