الدكتورة رنا قسطة *الدكتور حسين اسماعيل **
«الجنس اللطيف». تمتاز المرأة بهذا اللقب الذي لا يغادرها، إن كان على سبيل الدلالة إلى غنجها أو ضعفها. لا يخرج هذا اللقب عن إطاره الأنثوي. لكن، بعيداً عن كل هذا «اللطف» الزائد، تعاني المرأة من صعوبة الحياة التي تنسيها الجانب الأهم، والذي هو الصحّة. فبسبب انشغالاتها ما بين العناية بأطفالها داخل المنزل والعمل الخارجي، تنسى المرأة الاهتمام بصحتها، وقد تتغاضى في بعض الأحيان عن بعض العوارض الصحية ـ التي يثير بعضها القلق ـ ومن بينها عوارض أمراض القلب.

حتى السنوات الأخيرة، لم تكن النساء تولي أهمية لأمراض القلب. وبرغم البحوث المعمّقة، وسريعة التطور، في هذا المجال، إلا أن المرأة لم تكن ممثّلة تمثيلاً كافياً في التجارب السريرية التي أجريت للقلب والأوعية الدموية. وليس هناك، في هذا الإطار، سوى أدلة قليلة تستهدف النساء تحديداً. وهو ما يخدم نتيجة سلبية، بحيث أن قلة هذه الأدلة تقوّض عملية الاستدلال على أعباء أمراض القلب والأوعية الدموية لدى هذا الجنس، ما يفسح في المجال أمام «تأكيدات» كاذبة على أنهنّ الأقل عرضة للتشخيص أو للموت بأمراض القلب.
في الواقع، هذا ليس صحيحاً، والسبب هو أن أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم، وتمسّ كلا الجنسين، ممّا يضع المرأة على قدم المساواة، إن لم يكن بدرجة أعلى، مع الرجل من ناحية المخاطر. ووفقاً لمنظّمة الصحة العالمية، شكّلت الأمراض القلبية الوعائية نحو 17.5 مليون حالة وفاة سنوياً في عام 2012، وأكثر من ثلاثة أرباع هذه الوفيات تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بما في ذلك لبنان.
وبرغم أن الأمراض القلبية الوعائية تعتبر عموماً «أمراض الرجال»، إلا أنّ الموت، واقعاً، يطال الرجال والنساء على حدّ سواء. ولوضع الأمور في نصابها الحقيقي، فإن معدل الوفيات الناجمة عن الأمراض القلبية الوعائية لدى المرأة أعلى من الوفيات التي يتسبب بها جميع أشكال السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي الذي تخشاه معظم النساء. مع ذلك، وبرغم كل هذه المعلومات وزيادة الوعي بشأن الأمراض القلبية الوعائية لدى النساء على مدى السنوات القليلة الماضية، يكشف استطلاع ـ يشكك في معرفة النساء حول كيفية تأثير الأمراض القلبية الوعائية ـ على أن أكثر من نصف النساء (54%) يشرن إلى أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة بين النساء.
حوالى 65% من نساء العالم يعانين من الأمراض القلبية الوعائية، وغالباً، ما تكون الأعراض الأولى هي... الموت المفاجئ، إذ تموت النساء فجأة من دون ظهور أي أعراض مسبقة. لذلك، فمن الضروري أن نفهم أن عدم وجود أعراض لا يعني بالضرورة أن المرأة ليست في خطر، فالأعراض النموذجية لأمراض القلب هي الذبحة الصدرية (آلام الصدر القمعية المركزية) وألم في الرقبة / الفك أو ألم الجزء العلوي من البطن أو الظهر الذي يبدأ من المجهود البدني أو العقلي، أو في أوقات أخرى، أثناء الراحة. لسوء الحظ، فإن تلك الأعراض النموذجية أقل ظهوراً لدى المرأة. وتميل آلام الصدر لديهن إلى أن تكون حادة أو حارقة أكثر من كونها ثقيلة. كما أن آلام الفك والرقبة وآلام البطن هي أكثر تواتراً (مألوفة أكثر) مما هي عليه لدى الرجال، وكذلك ضيق التنفس.

65% من النساء يعانين من الأمراض القلبية الوعائية وغالباً ما تكون الأعراض الأولى هي الموت المفاجئ


نظراً إلى أعراضها غير النمطية، فإن الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية عند النساء تحدث دون أن يتم التعرف إليها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نتائج أسوأ. لذلك، من الضروري أن يقوم الممارسون العامون وأطباء أمراض النساء، الذين عادة ما يكونون مقدمي الرعاية الصحية الوحيدين للمرضى الإناث، بالبحث عن العلامات المبكرة والأعراض وعوامل الخطر من الأمراض القلبية الوعائية لدى مرضاهم.
وبرغم أن الآليات الأساسية للمرض متشابهة، إلا أن الاختلافات الفيزيولوجية بين الرجال والنساء تميل إلى وضع الإناث في وضع غير مؤات، في ما يتعلق بالأمراض القلبية الوعائية. فالرجال والنساء، على سبيل المثال، يتأثرون على نحو مماثل بعوامل الخطر القلبية الوعائية، مثل داء السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم والتدخين. ولكن لدى النساء، أيضاً عوامل محددة تتعلق بنوع جنسهن، ما يضعهن في مستوى خطر أعلى، بشكل خاص، مثل وجود متلازمة تكيس المبايض وانقطاع الطمث المبكر أو تاريخ اضطرابات الحمل. هذه الاختلافات قد تؤثر أيضاً في استجابة المرضى من النساء للعلاج. ونظراً إلى عدم وجود بحوث في «القطاع النسائي»، ما زلنا لا نملك معلومات تستند إلى الأدلة التي تمكننا من معرفة ما إذا كانت هناك علاجات معينة لتجنب أو تشجيع النساء اللواتي يعانين من الأمراض القلبية الوعائية. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت هذه القضايا في طليعة الطب الوقائي، وكانت هناك محاولات متكررة لإبراز الحاجة إلى وضع استراتيجيات تستهدف المرأة من حيث تعديل عوامل الخطر والكشف المبكر. واحدة من المشاكل الرئيسية التي نواجهها في لبنان والشرق الأوسط بشكل عام، هي أن نماذج التنبؤ بمخاطر أمراض القلب يتم استيرادها من الغرب. وهي أيضاً أقل دقة لدى النساء مقارنة بالرجال.
علاوة على ذلك، ولأن أطباءنا في لبنان يتبعون واحدة من اثنتين من المدارس، إما الأوروبية أو الأميركية، فليس من غير المألوف (ليس مستغرباً) أن تتلقى نفس المرأة توصيات متناقضة حول الوقاية من أمراض القلب. في الواقع، أظهرت مجموعتنا أن ما يصل إلى 38% من النساء اللواتي تتلقين توصيات بتلقي علاج خفض الدهون وفقاً للمبادئ التوجيهية الأميركية لن تتلقى التوصية نفسها وفقاً للمبادئ التوجيهية الأوروبية.
للتحايل على هذه القضية (المشكلة)، فإن الطرق الجديدة للتنبؤ بمخاطر أمراض القلب التي لا تعتمد على العرق أو الجنس أصبحت معتمدة الآن في لبنان. واحدة من هذه الطرق هي قياس درجة الكالسيوم في (الأوردة) التاجية. هذا الأسلوب يستند إلى أدلة تقوم على نسبة ترسب الكالسيوم في الشرايين التاجية التي تقول أن هناك أضراراً مستمرة لشرايين القلب.
وبرغم أن العثور على بعض ترسبات الكالسيوم ممكن بسبب الشيخوخة، فإن تجاوز هذا الكالسيوم نسبة معينة يشير إلى أن هذه المرأة تحتاج إلى أن تبدأ بالوقاية والحذر من أمراض القلب. في حين أن هذه الطريقة متوفرة في لبنان، تبقى التكلفة باهظة وغالبية شركات التأمين لا تغطيها. والأمر الأسوأ هو أنه بينما يمكن للأفراد في أفضل المراكز في الولايات المتحدة الحصول على هذا الاختبار جنباً إلى جنب مع اختبارات الدم والدهون بأقل من 100 دولار أميركي، فإن تكلفة هذا الاختبار وحده تتعدى في لبنان مبلغ الـ150 دولاراً أميركياً، علماً أن التقنية المذكورة ليست جديدة ولا تستغرق وقتاً طويلاً. ولهذا، يتعين على جميع القطاعات المهتمة أن تبذل جهوداً لتحسين الوصول إلى هذه الاختبارات الأكثر دقة.
وفي الختام، من الضروري أن تعرف المرأة أن أمراض القلب هي القاتل رقم واحد، وأن تسعى بشكل استباقي إلى العثور على التقنيات المناسبة للوقاية من أمراض القلب.

* طبيبة قلب ــــ مؤسسة «يدنا»
* * طبيب قلب في الجامعة الاميركية في بيروت

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]