لو شاءت الأقدار أن تجرى عقود نكاح وزواج مشاهير العاشقين لفقدت روائع الأدب وقصص الحب جزءاً عظيماً من قيمتها. مسّهم جنون الحب، فكتبوا فيه وعنه وما تمكنوا من القبض على ماهيته وكيفية حدوثه. من مأساة قيس وليلى في مراعي نجد التي حولت ابن الملّوح إلى مجنون، إلى قصة جميل وبثينة المحزنة في وادي بغيض في أرض عذرة، كان لنا أروع الشعر من أقسى روايات العشق والغرام.
وعلى ذات المسار وإلى نفس المصير، أرسل الحب الممنوع عاشقات وعاشقين إلى الضياع والقهر والموت والكثير من القصص. كيف للحب ـ الذي يرغب ويحلم به كل الناس ـ أن يحدث لهم، وكيف له أن يكون حيناً السعادة المنشودة وحيناً آخر الشقاء؟
فهم العرب الحب باكراً وسموه حباً لأنه لباب الحياة وحملوه على أربع عشرة درجة تبدأ بالهوى وترتقي الى الشغف والنجوى والعشق وتنتهي بالهيام. 
ومن الحب، كانت المحبة والعطاء والإحسان «وأحبوا بعضكم بعضاً» و»أحبوا أعداءكم»، كما دعت الشرائع السماوية. الكل يدعو إلى الحب والمحبة، والكل ينتظر الحب ويفتش عن المحبة، والغالبية لا تدركها أو لا تمارسها فعلاً، إما لجهل وإما لصعوبة وإما لنكران. 
لم يدرك حينها المحبون والعاشقون من أين يأتي كلّ هذا الحب (اللغز)، مُضافاً إليه حب الأهل وحب الأولاد والأوطان والأصدقاء والعشاق والزوجات والأزواج، كما وحب الشهوات من السلطة والمال. لكن ظلّ الحب بإيحاءاته الرومانسية الغرامية المسببة للهوس والاجتنان أكثر الأنواع شهرة وأكثرها إلهاماً وهياماً على مرّ العصور وفي أغلب المجتمعات.
جاء الدليل على وجود الحب الرومانسي عند أكثر من 90% من المجتمعات، ومن أكبر الدراسات المنجزة في أواخر التسعينيات، والتي تعدّ دليلاً يدعم فكرة وجود دواعي بيولوجية قوية لانتشار ذلك النوع من الحب واستمراره. في عام 2005، صدرت دراسة غيرت مفهومنا وإدراكنا للحب بشكل جذري. حينها، قامت العالمة الشهيرة هيلين فيشر بتحليل 2500 صورة رنين مغناطيسي لأدمغة أشخاص بعد مشاهدتهم صوراً لمن يحبون وصوراً لمعارف عاديين. سبّبت مشاهدة صور «المعشوق» طوفاناً للدماغ بهرمونات المشاعر الجيدة (دوبامين واوكسيتوسين)، وتحديداً في مناطق الدماغ المسؤولة عن دائرة «المكافأة بالشعور الممتع»، كما يحصل عادة بعد استهلاك الطعام أو بعد العلاقة الجنسية أو عند استعمال المخدرات (عند البعض). حين يقع الناس في الحب تقع معه دائرة المكافأة تحت تأثير تفاعل الحب الكيميائي المسؤولة عما سيشعر به العشاق من تقلصات في المعدة واحمرار في الوجنات وتسارع في نبض القلب وتعرق في الكفين. هكذا تفضح كيمياء الدماغ الأحبة ومشاعرهم، فلا البوح يحمي ولا القدرة على «إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا / لكي يحسبوا ان الهوى حيث تنظر». وكأن كلّ ذلك لا يكفي، إذ يسبب الوقوع في الحب أيضاً ارتفاع منسوب التوتر وهرمون الكورتيزول في مراحل الهوى الأولى تجعل من الهاوي شارداً بالحب ومعذباً، مسكوناً بطيف الحبيب وبالخوف من عدم استجابته. 
في بحث مميز نشرته مجلة ساينس، يحاول الدماغ عبر التفاعلات الهرمونية أن يجعل الحب تجربة وحدثاً ممتعاً يشبه مشاعر المتعة المرتبطة باستهلاك ملذات الطعام أو شرب الكحول والممنوعات عند البعض تفعل فعلها كمواد كيميائية محفّزة. بيّنت الدراسة لماذا يلجأ المكسورون بالحب إلى استهلاك كميات كبيرة من الأكل والشرب مدفوعين من دائرة المكافأة في الدماغ، ليعوّضوا شعوراً بالمتعة افتقدوه من انكسار علاقة الحب والغرام. 
وفوق كلّ ذلك يُتهم الحب بأنه أعمى. بالنسبة إلى الدماغ الحب متحيز للمحبوب بشكل فاقع. فالحب الرومانسي إلى جانب تحريكه للمشاعر الممتعة والإيجابية، فإنه يُعطل المشاعر السلبية والإحساس بالنقد تجاه الحبيب وأخطائه. هكذا يُصبح العاشقون عاجزين عن رؤية أخطاء المعشوق وآفاته.
السؤال الأهم الذي يقض مضاجع الناس ويحيرهم هو هل يبقى وهج الحب الأول مع مرور الزمن؟ غالباً ما يتحول الشغف إلى مودة وحميمية أو إلى روتين أمام ضغوطات الحياة اليومية العائلية منها والمهنية. لكن تفيد دراسات حديثة من أوروبا والولايات المتحدة بإمكانية الحفاظ على نار بدايات الحب متوقدة إذا ما سعى الشريكان لإذكائها. العلاقة الجنسية المنتظمة والعادات الرومانسية اليومية ترفع من هرمونات الدماغ وتثير دائرة المكافأة فيه كمن ينفخ في جمر المواقد، ليبقى وهج الحب مستمراً لأرذل العمر. 
يذهب دماغ المرأة إلى الحب مدفوعاً بمكاسب العاطفة والانتباه والأمان، بينما يبتغي دماغ الرجل مكاسب الشهوة والإثارة والوعود الجنسية في أغلب الأحيان. في كل الأحوال تبقى المرأة والرجل على اهتمامهما بعلاقة رومانسية قابلة للاستمرار والنجاح والمنفعة المشتركة.
البداية من الخلق، من التناغم بين دماغ الأم ودماغ المولود، تناغماً يومياً سيطبع دماغ الطفل خلال نموه وتفاعل علاقته بأمه، وسيؤسس لمشاعر «اتحاد» عنده سيبقى يفتش عنها لاحقاً وعن مثيل لها خلال رحلة حياته. تقول الكاتبة ارودانتي روي في كتابها «ثمن العيش» المهم أن تُحِب وتُحّب ولا تنسى قيمة حياتك.

* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية