سرّ البعض متحدّثاً ـ بعد قراءته مقال «نفرح منك» ـ عن حافز السعي المرهق لعموم الناس الى الزواج، سائلاً جدوى الدخول اليه والبقاء فيه وما يحدث داخله. لغاية الآن، قد يكون الزواج من اكبر الأحزاب العالمية وأطولها عمراً وأكثرها شعبية، لكنه ككل المؤسسات التاريخية والمعمّرة يضربها الوهن والركود، وتحتاج دائماً الى تثقيف اتباعها ومريديها وترغبيهم في تجديد انتماءهم اليها لا الهروب منها ونعتها بالفشل، خصوصاً ان الزواج يبقى المعيار والقيمة لأفراد غالبية المجتمعات.
قد لا تشفع الشهادات المعلقة على جدران المكاتب او المنازل للنساء العازبات في إنجازاتهن، لأن اساس القيمة العائلية والاجتماعية للفتاة تكمن في زواجها وفيما تُنجب لا فيما تنجز فقط. وقد لا ينجو الرجل العازب طويلاً من سمعة مشبوهة، وتنميطه بأنه «زير نساء» او «عديم المسؤولية» أو «صعب المعشر» وغيره. تصح هذه الملاحظات في غالبية مجتمعات هذه البلاد المفطورة على أهمية الزواج ثقافياً وعائلياً واجتماعياً نظراً لتمركز الزواج في صلب مركبات تلك المجتمعات وسُلّٓم اعتباراتها.
لماذا يتزوج الناس وكيف ومن؟ دراسات عديدة عالجت هذه الأسئلة والطروحات وجاءت بإجابات تشبه بغموضها التساؤلات عينها، فمنهم  من صعقهم الحب من اول نظرة، أو أغواهم الجنس، ومنهم من لحق المصلحة والمنفعة، ومنهم للهروب من الوحدة ومنهم طمعاً في المال ومنهم بالاكراه ومنهم بداعي القربى ومنهم  لستر العرض. وهناك أيضاً من وجد بالزواج ضالةً ما كتعويض لأب غائب أو أم مفقودة او حاجة للاهتمام بشريك أو «إصلاحه» والجهاد معه في شقاء الحياة. وبكل بساطة يرغب السواد الأعظم بإنجاب الأولاد وتكوين أسرة.
كان للعرب في الجاهلية أنواع مختلفة من الزواج كزواج البعولة (وهو الزواج المتعارف عليه اليوم)، وزيجات أخرى للإستمتاع وللجنس ولتحسين النسل (زواج الإستبضاع)، وكان يهدف بعضها لوقف الحرب ولم الشمل. جاء القول الأشهر ليؤكد على ان المرأة تُنكح لأربعة أسباب: لدينها لجمالها لحسبها أو لمالها، مُفضلاً ذات الدين. لم يبرز الحب هنا او الرومانس كدافع للزواج. استمرت انواع الزواج بعد الجاهلية فكان زواج المتعة والعرفي والمسيار وغير ذلك كلها لتلائم مزاج الرجل وأغراضه.
 لم تختلف أوروبا وغيرها عن تلك المسارات، فكانت تتم فيها الزيجات طمعاً بالمال او السلطة او الجاه او السلم. كانت تُزوّج العروس لحفظ العروش، وكانت قصور أوروبا وغرفها العديدة تبعاً لذلك شاهدة على فشل الزيجات وبؤس الأزواج وخياناتهم ودسائسهم.
بقيت «العقلنة/المصلحة» أساس الزواج ولا تزال في أغلب الحالات رغم الاثار السلبية لها والناتجة من عدم فهم الزوجين لدخولهما الزواج، وعدم تثقيفهم كما يجب لصيانة ذلك الزواج واستمراره وتطويره. يدخل الشريكين مغامرة الزواج ولا يربطهم احياناً سوى العقد الشرعي ورعاية الأهل، مغمورين بتخيلات وآفاق محدودة مرسومة بعادات الأهل او بالبرامج التليڤيزيونية.
انتقل أساس الزواج بحسب الدراسات الحديثة من العقلنة والمصلحة الى المشاعر والأحاسيس، والانطباع الاول عن رجل الحياة او زوجة العمر. عاش الناس حلم الهوى والغرام كمدخل الى الزواج ومُحصّن له ضد المشاكل والنوائب، وكفيل أيضاً بحل الخلافات، ليتبين لهم لاحقاً انهم يعيشوا الحلم لا الواقع، ويعيشوا الرومانس لا الإلفة، ويعيشوا الأنا لا الـ«نحن»، وأنّ انكشافهم وإنكشاف عُقَدِهم ونقاط ضعفهم أمام الشريك خلال مسيرة الزواج سيؤدي إلى تخلخل الزواج وإنفراط عقده وموته البطيء. بعدها يبقى البعض في الزواج لأجل الأولاد، والبعض الآخر لأجل العائلة، أو حتى «للسترة ومسببات العيش». يُغادر آخرون الزواج للوحدة، التي تزوجوا ليهربوا منها، بكثير من الخيبة ومشاعر الفشل والغضب.
تُناقش إحدى الباحثات انه لو تزوجت المرأة من رغبت به ومن أحبته، فلا يغني ذلك عن الاشتباك اليومي او الاسبوعي حول أمور عديدة داخل البيت الزوجي وخارجه. ليست الغنيمة برجل مثالي لا "يُخانق" وعلى الارجح لن تتزوجينه، بل الغنيمة بالرجل القادر على عقلنة الخلافات واستيعابها وإدارتها بكل نُضجٍ ودراية. تضيف الباحثة مشيرة الى ان الالتزام بالزواج يتعلق بالحد الأدنى من التضحيات والمعاناة التي تستطيع المرأة تقديمها ومعايشتها، وبقدرة الرجل على فهم معنى ذلك. بيت القصيد هنا التناسب أو التعايش البناء بين الشريكين، النتاج الفعلي للحب وليس شرطاً له.
يدخل الناس أقفاص الزوجية لينشدوا السعادة (كيف تُنشد السعادة في قفص؟)، يُعقد ذلك طموحاتهم ويربك زواجهم. ينصح الخبراء ان يسعى الناس في زواجهم الى الألفة والمودة والتعالي على الأخطاء. يبقى اللغز هو كيف لحدث يستعد الناس له طويلاً ويهرولون اليه، ان يتركهم خائبين أو مهزومين أو غير مبهورين في أفضل الحالات.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية