إسهال. تقيؤ. حرارة تتعدى عتبة الحالة الطبيعية. خمول. عوارض كثيرة يردّها البعض إلى عوارض أمراض موسم الصيف من التسمم الغذائي أو غيره من عوارض «الموسم». لكن، هذه العوارض التي تكاد تلتصق بفصل الصيف هي ليست حالة مصاحبة للموسم. هي حالة شائعة قد تحصل في أي موسم وقد تجرّ معها الموت أيضاً في حال لم يجر أخذ «الحيطة والحذر»، على ما تشير منظمة الصحة العالمية.
لا تسمم غذائي ولا «عارض» صيفي، إنما هو فيروس قد يصل بنتائجه حدّ الموت. فيروس "روتا" (فيروس العجلية) الذي يحمل اليوم اسم الفيروس الغامض، ولذلك علاقة ببداياته المفاجئة التي تحل دفعة واحدة. تلك البدايات التي لا تنفع معها المضادات الحيوية، على أنه يستهدف بشكلٍ أساس الأطفال، وخصوصاً الرضع منهم. هؤلاء هم الأكثر عرضة لفيروس يُعتبر «أشهر مسبب لحالات الإسهال الحاد لدى الأطفال»، حسب تعريف الصحة العالمية له. وأكثر من ذلك، يحصد هذا الفيروس أرواح «ما يزيد عن 500 ألف طفل وأكثر من مليوني حالة دخول إلى المستشفى»، على أن 85% من الوفيات تحدث في الدول النامية. وهنا، يصحّ السؤال: لماذا؟ ويصح القول ببساطة لأن اللقاحات الخاصة بمكافحة هذا الفيروس ـ وهما لقاحان أساسيان ـ ليست متوفرة من ضمن برامج التحصين الوطنية في تلك البلدان، إذ لا نزال نحتاج إلى المال لكي نحصّن أطفالنا من هذا الفيروس.
الأطفال هم الأكثر عرضة إذاً. وعلى ذلك، فإن «جيل» ما دون الثلاث سنوات هم الأكثر حساسية تجاه هذا المرض الذي يؤدي في حال عدم الوقاية إلى تسرّب السوائل من الجسم والوصول إلى حالة الجفاف التي تؤدي حتماً إلى الموت. ويعرّف عن فيروس الروتا أنّه من «أشهر الفيروسات المسببة للنزلة المعوية والتهاب القناة الهضمية التي يصاب بها الأطفال بنسبة 95% ما بين عمر سنتين إلى خمس سنوات. ولئن كان يصيب الكبار أيضاً، إلا أنه أشدّ وقعاً على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين «6 أشهر و3 سنوات».
ولئن كان كثير من الأطباء لا يعتبرون الروتا من الفيروسات القاتلة، ولا يثيرون هلعاً منه، إلا أنهم في الوقت نفسه يرفعون شعار الوقاية وحماية الأطفال. أما الوقاية، فتبدأ من المنزل، فالنظافة عامل أساسي.

«جيل» ما دون الثلاث سنوات
هم الأكثر عرضة للإصابة
بفيروس الروتا


وهنا، ثمة لائحة من الإرشادات لا تنتهي عن كيفية وقاية الطفل من التقاط فيروس الروتا، ولعلّ أهمها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ التأكد من نظافة الأطعمة التي تعطى للأطفال في مثل هذا العمر، وخصوصاً تلك التي يتناولها خارج المنزل، إذ أنها أكثر عرضة لحمل الفيروسات من الجو. وخطورة هذا الفيروس أنه يعدّ متن فصيلة الفيروسات القوية والثابتة التي لا تتأثر لا بالضوء ولا بالحرارة، وتبقى حيّة ملتصقة بالأشياء لمدّة قد تصل إلى حدود 10 أيام. لذلك، فمن الضروري، لتقليل الإصابة بالعدوى، التشديد على تغطية أطباق الطعام وغسل اليدين بالصابون بشكل متواصل، وخصوصاً بعد استعمال المرحاض وتبديل حَفَّاضات الأطفال.
أما السبب الذي يزيد من خطورة الروتا أنه معدٍ، وقد ينتقل من شخصٍ إلى آخر عن طريق التنفس أو من خلال الأيدي الملوثة. واللافت أن هذا الفيروس يتواجد في براز الشخص المصاب عدة أيام قبل بداية ظهور الأعراض، ويبقى حتى 10 أيام بعد زوال المرض. وقد تؤدي نوبة حادة للروتا إلى الجفاف، خصوصاً لدى الأطفال، وهذا ما يستوجب سرعة التدخل بحسب الحالة، عبر تزويد الأطفال بالسوائل. وفي حال تفاقم الأمر، ينصح الأطباء بإعطاء هذه السوائل التي تحتوي على الأملاح عبر الوريد، أي من خلال الأمصال. ويستثنى من تلك السوائل العصائر ومنتجات الحليب والأغذية الغنية بالسكر التي قد تزيد من حدة الإسهال. أما لدى الرضع، فينصح الأطباء بزيادة وجبات الرضاعة.

العلاج باللقاحات

لا يوجد علاج خاص لفيروس الروتا، إذ أننا لا نتحدث هنا عن جرثومة نستطيع محاربتها بالمضادات الحيوية، فهذه الأخيرة غير مفيدة إطلاقاً. فعند الإصابة، لا يوجد إلا الماء. لكن، هذا لا يلغي أن للوقاية المسبقة دوراً في التخفيف من آثار الروتا الغامضة. وهذه تكون من خلال إعطاء الطفل اللقاحات اللازمة، تلك التي تقع في نوعين لا ثالث لهما، وهما «روتا ـ تك» و«روتا ـ ريكس». أما الأول، فيُعطى للطفل عن طريق الفم بثلاث جرعات موزّعة على عمر الشهرين، الأربعة أشهر، والستة أشهر». ولا يسمح باستعمال هذا اللقاح لتطعيم الأطفال الذين تفوق أعمارهم الخمس سنوات أو في تطعيم البالغين.
أما الروتا ـ ريكس، فهو لقاح سائل، يعطى بجرعتين في عمر شهرين وأربعة شهور.
مع ذلك، لا تعفي هذه التطعيمات الأطفال من الإصابة بالعدوى، ولكنها تخفّف من آثارها. لذلك، فهي ضرورية، لسببٍ بسيط ولكنه أساسي، أنها تحمي الطفل من الوصول إلى حافة الجفاف الذي يُنذر بموت مجاني.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]