لو سُئل أي عابر سبيل عن الأقوى بين الجنسين لأجاب بأن الرجل هو الأقوى لامتلاكه قوة الجسد وقدرة العضلات وركوب المخاطر وتحمّل الأعباء والصعوبات. قد يصح ذلك في حياتنا اليومية والعملية، لكنه لا يصح في الصحة: هنا الرجل هو الجنس الأضعف.
تبين الأهرام السكانية لمعظم دول العالم وجود عدد أكبر من الإناث مقارنة بالذكور في عمر متقدم، وبالرغم من تساوي ارتفاع معدلات أعمار الجنسين، إلا أن الفجوة العمرية تتوسع لصالح المرأة، خصوصاً مع تقدم السنين لتتراوح بين ٥ و٨ سنوات في اليابان والأردن ولبنان والولايات المتحدة الأميركية، لتشير إلى فروقات في معدلات الصحة والاعتلال.
يموت الرجال أسرع من النساء وتكون معدلات وفياتهم ٤١٪‏ أعلى من معدلات وفيات النساء على مجمل الآفات الأكثر انتشار. فيموت الرجل بوتيرة أعلى من المرأة بأمراض القلب والسرطان، وينتحر بنسبة أعلى كما يتعرض للقتل بمعدل أكبر.
يخطف الموت الرجال أكثر شباباً من النساء، وإذا ما عاندوا الخطف، يجتاحهم الاعتلال أكثر وتصيبهم أمراض مزمنة تنهك صحتهم بما يفوق اعتلال النساء. تدخل المستشفى فترى رجالاً على أسرتهم، أكثر مما ترى نساء، يعانون من مشاكل صحية أو جراحية أو سلوكية أو إدمان.
لا تتشكل الفجوة الصحية بين المرأة والرجل في ظل غياب العدالة السياسية والاجتماعية، بل تبدأ من المرحلة الجنينية داخل الرحم والعلقة الأولى ولا تنتهي إلا عند عتبة القبور. تشير الدراسات إلى وجود نسبة ١١٥ جنين ذكر لكل ١٠٠ جنين أنثى عند إجراء التصوير الصوتي للحمل، عند الولادة يكون هناك ١٠٤ مواليد ذكور لكل ١٠٠ مولودة أنثى. إضافة الى ذلك، يتعرض الحمل بالذكر لولادة مبكرة ومضاعفات، ويموت المولود الذكر قبل عيد ميلاده الأول بنسبة أعلى من الأنثى بحوالى عشرين بالمئة.
هكذا إذن، يبدأ الرجل رحلته في متاهات المراضة منذ ما قبل تشكله جنيناً؛ من جيناته وتحديداً من رمز ذكوريته البيولوجية موروثة "Y"، التي هي نفسها سبب اعتلاله بما تكشف عيوبه أمام بعض الأمراض الوراثية المحمولة على موروثة "X"، والتي لا يملك منها إلا واحدة. هي الجينات نفسها التي حملت أمراض سيلان الدم وفتكت بسلالة ملوك بريطانيا وألمانيا وروسيا وجاءت بملكاتها. هنا لا حماية للذكور من الجينات المشوهة المحمولة على "X" أو "Y"، بينما تحمل الأنثى زوجين من موروثات "X" تحمي إحدهما الأخرى.
وكأن القدر الجيني غير كافٍ لمعاناة الرجل، ليأتي دور هورموناته التي طالما ساندت "رجوليته وفحولته"، التستوستيرون ملهم الطاقة الجنسية، لكنه أيضاً سبب السلوك الخطر والعنفي والذي يعرض الرجل لمشاكل سلوكية وصحية (أمراض البروستات)، كما يحرم التستوستيرون الرجل القدرة على التركيز والهدوء والاستيعاب لانشغاله بالأفكار والتخيلات الجنسية. بالمقابل تتنعم المرأة بهورمون الاستروجين الذي يحمي صحتها الجسدية والعقلية ويحافظ على شباب بشرتها ونضارتها.
أما في إطار الصحة الجنسية والإنجابية، تميل الفجوة الصحية لصالح الرجل، فهل تدفع المرأة هنا ضريبة عالية من صحتها لقاء الحمل والإنجاب؟ إذا كان الرجل مُعرضاً لمشاكل غدة البروستات كجزء من صحته الإنجابية والجنسية، فالمرأة تتعرض لأمراض وسرطانات عنق الرحم والرحم والمبيض والثدي والمهبل، إلى جانب المراضة والوفاة جراء تعقيدات الحمل والولادة. بالرغم من وقوع إصابات أكثر عند المرأة في صحتها الانجابية والجنسية، إلا أن ذلك لا يغير في الفجوة الصحية بشكل عام، مما يشير إلى حدوث مشاكل أكبر وأخطر للرجل في مجالات حياتية أخرى.
في اليابان هناك حالة صحية معترف بها تدعى "كاروشي" وتعني "الموت من كثرة العمل" وللناجين منه تعويضات جيدة. هنا أيضاً يسقط الرجال ضحايا للمرض والموت نتيجة الإرهاق والتوتر والضغط اليومي والعدائية والغضب والأعمال الشاقة، والتي عادة ما تكون إكثر انتشاراً عند الرجال مقارنة بالنساء. قد تنتسب بعض النساء إلى "نادي الموت المبكر" إذا ما دخلن سوق العمل التنافسي والمهن المتطلبة وغيره.
لكن للنساء شبكة حماية لا يتمتع بها الرجال. تشير دراسة إلى وجود نسبة أعلى من النساء اللواتي يعتمدن على صديقات وأصدقاء مقارنة بالرجال (٣٠ مقابل ٩ بالمئة)، وقدرة للنساء على التواصل والتعبير و"التنفيس" أكثر بكثير من قدرة الرجال.
يقول الشاعر الإنكليزي جون دون: "الرجل ليس جزيرة معزولة، كل رجل هو جزء من هذا العالم"، وللحديث صلة.

* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية