إذا لم تتمكن المرأة من التحكم بخياراتها الإنجابية وقدرها الإنجابي، لا يمكن لها أن تنعم بالعدالة الإنجابية. في أوائل التسعينيات، حملت مجموعة من النساء "ذوات اللون المختلف" معاناة النساء واجترحت تعبير "العدالة الإنجابية" في مؤتمر القاهرة للتنمية والسكان، متجاوزاً ترف مسألة "الخيارات" و"الحقوق" ليطلق مسار العدالة للنساء، ليس فقط بالحمل وإنجاب الأطفال، بل بتربيتهن ضمن بيئة كريمة وآمنة وصحية وداعمة.
خلقت العدالة الإنجابية إطاراً حاضناً للحقوق الإنجابية والجنسية والجندر والصراع الطبقي والهيمنة الذكورية على صحة النساء.
في تقرير حديث من مؤسسة غوتماكر الرائدة، بلغ عدد الحمول الغير مرغوب فيها ٨٥ مليون حمل، من أصل ٢١٣ مليون حمل في العام. يعني ذلك أن هناك ما يقارب ٤٠ بالمئة من النساء الحوامل حملن غصباً عنهن أو "بالغلط" كما يشاع. نساء لم تنصفهنّ العدالة الإنجابية، ولم تشفع لهنّ أوضاعهنّ الصحية والنفسية والأسرية، جُعلت أرحامهنّ مطايا إنجابية لرغبات الرجل والمجتمع.
في أحد المجتمعات في نيجيريا، يقسّم شعب الأوبانغ الحقوق الملكية على جسد المرأة عند زواجها بحيث تعود ملكية "القسم السفلي للمرأة" (الإنجاب) الى أهل زوجها، أما ملكية "قسمها العلوي" (حياتها الأخرى) فتعود الى أهلها. وفي مجتمعات أخرى تعود ملكية جسد المرأة للمجتمع. هنا من غير المستغرب وجود إسقاطات على مجتمعاتنا لجهة سيطرتها والعائلة على التحكم بتوقيت الحمل للمرأة وتواتره وإعداد المواليد وتفضيل الذكور وغيره.
لا يمر موضوع الحمول غير المرغوب بها بسلامة على النساء، إذ ينتهي نصفها بالإجهاض الذي قد ينهي معه حياة بعض أولئك النساء، صافعاً العدالة الإنجابية من دون اكتراث. مآسي تحدث كل يوم لنساء تحولت أرحامهنّ وحملهن الى كوابيس واعتلالات. هرعت الهيئات الدولية المعنية الى إطلاق شعار "تنظيم الحمل/تنظيم الأسرة يُنقذ الحياة" وتم رصد ميزانيات ضخمة لتسهيل الوصول لوسائل تنظيم الأسرة.
خلال العام الحالي، وبينما يصرف العالم أموالاً خيالية على السلاح والحروب وتغذية الفساد، يصرف النساء من صحتهن وأعمارهن ونوعية حياتهن جراء غياب العدالة الإنجابية. هنالك ما بين 20 و80% من النساء اللواتي يرغبن بتنظيم حملهن، غير قادرات على ذلك، خصوصاً الفقيرات والقاصرات اللواتي يحملن أطفالاً الى أعراسهنّ المدبرة وحملهن الغير مرغوب.
ينقل مفهوم العدالة الإنجابية مسألة الخيارات والحقوق الى مسار مختلف ومتقدم، ليشمل مسارات سابقة ويضيف أُخرى تتعلق بالعدالة الاجتماعية والفقر والهوموفوبيا والحقوق السياسية. تشير دراسة حول مقاربة العدالة الإنجابية الى ضرورة تمكين المرأة في علاقاتها وداخل المجتمع لإنجاز تلك العدالة. يتمحور التمكين هنا حول ثلاثة أنواع من القدرات: القدرة على التأثير بالآخرين والقيام بما ترغب وتقتنع به، القدرة على مقاومة الضغوط، والقدرة على التحكم بالأفكار والمشاعر لتحقيق أهدافها المرجوة. تتأثر هذه القدرات بخصائص المجتمعات واستعدادها لملاقاة مبدأ العدالة بإيجابية وانفتاح.
لا يمكن لمجتمع ان يدعي عدالة ونساؤه يتزوجن بالاكراه ويحملن بالصدفة ويستجدين رعاية صحية بلا كرامة.

* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية