"في ناس بتعرفني سعد القادري. بطيء. حسيب. مشكلجي. وحيد. عمر. فارس. حنا. سعيد... بس أمي ما بتعرفني بولا إسم من هول لأنها بتعاني من مرض آل زهايمر". بكل هذه الأسماء ينادونه، إلا أمه التي لم تعد تؤوي في رأسها ما يسمى "الذاكرة". فقدتها مبكراً، وصارت بلا عمر، وكأنها تبدأ حياتها للتو. لكنها، ليست وحيدة في تلك البلاد، فهنا في لبنان، ثمة ما لا يقل عن خمسين ألفاً قطعوا صلتهم بذاكرتهم. صاروا بلا أثر.
قبل سنواتٍ قليلة، كان الرقم لا يزال عند عتبة الـ35 ألفاً. طار الرقم بسرعة. صار 50 ألفاً. وهو إن كان مفاجئاً لنا نحن الناس العاديين، ولكن في الدراسات هو رقم عادي، مع تسجيل "حالة مصابة بالزهايمر كل 3 ثوانٍ"، بحسب بيان منظمة الصحة العالمية. هذه الثواني الثلاث أوصلت عدد المصابين بهذا الداء إلى عتبة الـ"45 مليون مصاب"، أي بمعدل "9,9 مليون حالة خرف جديدة سنوياً".
لا عودة من النسيان. هذا أمر محسوم، فإلى الآن لا يوجد الدواء الذي يمكن أن يوقف الداء عند الحدود التي وصل إليها. فالأمل الوحيد الحاصل اليوم هو التوصل إلى إيجاد بعض الأدوية التي تعمل على إبطاء المرض وتحسين نوعية الحياة. لا أكثر من ذلك ولا أقل. من هنا، تكمن أهمية الكشف المبكر. وهذا ما توصي به الصحة العالمية. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني الالتفات إلى مجموعة من "العوارض" التي لا نوليها الكثير من الاهتمام نظراً لمرورها العابر مع بداية حدوث المرض. منها مثلاً النسيان والفقدان التدريجي للذاكرة والتغييرات في المزاج والشخصية والصعوبة في انجاز المهام اليومية ومشاكل الكلام والكتابة والصعوبة في معرفة الزمان والمكان والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية وغيرها من العوارض.
غالباً، ما تبدأ تلك العوارض بـ"المفرد"، لتجتمع مع اشتداد مرض الزهايمر الذي يعدّ السبب الأكثر شيوعاً للخرف وأخطرها. ولئن كان يؤثر بشكلٍ أساسي على كبار السن بسبب وصولهم إلى حافة العمر، إلا أنه لا يعدّ جزءاً طبيعياً من الشيخوخة. بشكلٍ أوضح، هو جزء مرضي.
ما الحل أمام هذا "الاجتياح"؟ إلى الآن لا شيء، باستثناء تلك الأدوية المبطئة ومحاولة نسج علاقات حبّ مع المصابين بهذا الداء. الحب هو الأساس هنا، وما عدا ذلك هو تفصيل. يحتاج هؤلاء لأن يحظوا بالحب. هذا أقل الواجب تجاه هؤلاء لكي يبطئ المرض سيره نحو الهاوية. يشار إلى أن العالم يحتفل خلال شهر أيلول باليوم العالمي لمرض الزهايمر، والذي يحمل هذا العام شعار "تذكرني".