يشهد العالم سنوياً تزويج ما يزيد عن 65 مليون فتاة يدخلن عنوة الأثواب البيضاء، تماماً كما دخلت أمهاتهن وجدّاتهن في القرون الماضية. عشرات السنوات، بل مئات السنين عَبَرت ولا تزال القاصرات يعبرنَ الى الأقفاص الزوجية وكأن شيئاً لم يتغير أو كأن العالم ما زال متوقفاً عند بعض التقاليد والعادات التي عفا عنها الزمن. طفلات عرائس يشبهن ألعابهن اللواتي كنّ يستعملنها في "بيت بيوت" و"عريس وعروس" ليصبحن هن زوجاتٍ دون أن يكنّ مستعدات وموافقات لا في صحتهنّ النفسية ولا الإنجابية ولا الجنسية، ناهيك عن الناحية الاجتماعي.
"زواج البنت سترتها". من هنا، بدأ التزويج المبكر كممارسة لحماية الفتاة والعائلة من الفضيحة والذل الآتي من السبي واغتصاب المنتصر لنساء المهزوم، أو من انجرار الفتاة لعلاقات عاطفية ترمي أسرتها في العار على ما كانت المفاهيم وقتها وما زالت في عدد من المجتمعات.
لم يساعد استمرار تلك المفاهيم في تطور الأحوال الشخصية والقانونية لجهة تحديد سن الزواج للفتيان والفتيات. في دراسة عن تزويج القاصرات صادرة حديثاً عن إحدى المنظمات الحقوقية في العالم العربي، تبين وجود أعمار مختلفة تترواح بين ١٣ و١٥ عاماً في أغلب البلدان، وحتى دون التزام جدي بتلك الأعمار في بعض الحالات.
قد لا يدرك البعض (أو يدرك دون اكتراث) أن هناك ما هو أبعد من التزويج والإنجاب و"السترة المتخيلة" لفتاة تتعزز صحتها وتكمل تربيتها وتتعدد فرص تعليمها وتقوى قدراتها وإمكانياتها وتدخل سوق العمل والإنتاج. عندها ستكون واثقة أكثر من خياراتها في ما تنوي الذهاب إليه، لا أن تعاني وبال تزويجها وسوء صحتها لبقية حياتها.
هناك حوالى ١٦ مليون فتاة بين عمر ١٥ و١٩ عاماً، ومليون تحت سن الـ ١٥ يلدن سنوياً. أشارت دراسة صادرة من الجامعة الأميركية في بيروت المركز الطبي إلى ارتفاع المخاطر الصحية للحمل والولادة عند المراهقات، والتي تلتقي مع غيرها من الدراسات ومن تقارير منظمة الصحة العالمية. فمن اضطرابات الإباضة وصعوبة الحمل مع عدم النضج الكافي والاستعداد المطلوب في الحوض الرحم الى مخاطر ارتفاع الضغط خلال الحمل ومضاعفاته الخطيرة والمميتة. كما تزداد المخاطر الصحية المرتبطة بفقر الدم والتمزق المهبلي خلال عملية الولادة، إضافة الى نزيف ما بعد الولادة والذي يكون قاتلاً في بعض الأحيان. كما وتتعرض الطفلة الحامل للطلق المبكر وازدياد احتمال الولادات القيصرية وإنجاب مواليد صغار الحجم معرضين أكثر من المولودين لأمهات بالغات لخطر الموت. تعتبر مضاعفات الحمل والولادة ثاني أكبر سبب لوفيات المراهقات في العالم.
من ناحية أخرى، يكون السلوك الصحي للطفلة خلال حملها أكثر خطورةً لجهة عدم التزامها بالزيارات الطبية المطلوبة وعدم تناولها الأدوية الموصوفة وضعف التقيد بالإرشادات الصحية والسلوكية، الأمر الذي يؤثر سلباً على سلامتها وسلامة الجنين. قد تكون الطفلات الحوامل أكثر عرضةً أيضاً لاكتئاب ما بعد الولادة، مع ما يستجلب ذلك من عوارض مؤذية للأم والمولود والأسرة. لن تتمكن هؤلاء الطفلات لاحقاً من المباعدة بين الولادات لعدم معرفتهنّ ولعدم قدرتهنّ على ذلك، مما يتركهنّ أمام تواتر غير مدروس للحمل والولادة ترهق صحتهن وتُضعف الإشراف والاهتمام بالمواليد والأطفال. بعض هذه الحالات ظهر جلياً في دراسة لكلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت ودراسات أخرى تشرح واقع تزويج القاصرات بين النازحات السوريات، حيث تبدو ظاهرة التزويج أكثر بروزاً وازدياداً لأسباب مجتمعية/تقليدية واقتصادية ولحماية القاصرات من الوقوع في محظور العمل الجنسي.
في كل الأحوال، المسألة تبدأ من الإكراه وغياب الموافقة (أو إمكانيات قول نعم أو لا) والخضوع، وما يبدأ بتزويج قهري، لا بد أن يُحتّم حملاً لا رأي فيه للقاصر إلا بما يخدم العادات والتقاليد، ولو تدهورت صحتها البدنية والنفسية والجنسية.
قبل الـ١٨، لا يمكنها قيادة السيارة ولا دخول النوادي الليلية ولا الانتخاب ولا التعبير عن رأيها، فكيف لها أن تتزوج وتُربي وتدير أسرة قبل هذه السن؟ لنطبق قاعدة مشابهة: الزواج مش قبل الـ١٨.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية