إعداد: راجانا حميةتكمن خطورة مرض هشاشة العظام أنه فعلاً صامت. لا ينذر بمجيئه، إذا لا يترفق مع أعراضٍ ظاهرة، وغالباً ما يكتشف الأشخاص مرضهم به عقب إصابتهم بالكسور الناتجة عن القيام بحركات بسيطة، كالانحناء مثلاً أو السعال! ولعلّ التشبيه الأقرب لتصديق هذا الواقع، هو ما يقوله بعض الأطباء في معرض تعريفهم بالمرض، إذ يشبهونه بـ"الإسفنجة" المليئة بالمسامات الصغيرة، والتي يكبر حجمها عندما يضرب المرض ضربته، فتفقد صلابتها وتصبح عرضة للتمزق بمنتهى السهولة.

هكذا، تصبح عظام الإنسان مع الهشاشة، أشبه باسفنجة ممزفة. ولئن كانت كتلة العظام في الحالة الطبيعية تتناقص بشكل تدريجي، حوالى 1% سنوياً، فهي في الحالة المرضية، تتدهور بسرعة كبيرة، محولة عظام الإنسان إلى زجاج يسهل كسره، على أن العظام الأكثر عرضة للكسر هي العمود الفقري والساعد، تحديداً فوق الرسغ، والفخد والحوض.
قبل أن تفعل الهشاشة فعلها في العظام، كانت هذه الأخيرة تعدّ العضو الأنشط والأكثر حيوية في الجسم، خصوصاً أنها تمر طوال الوقت بعملية هدم وإعادة بناء العظام. وتبدأ هذه العملية بهدم جزء من العظام القديمة أو التالفة ثم إعادة بنائها من جديد، وهي بذلك عملية مستمرة طوال عمر الإنسان، وإن كانت في فترة الطفولة وحتى عمر الشباب تتغلب عملية البناء على عملية الهدم، مسببة زيادة مضطردة في طول وكثافة العظام.

علامات الإصابة والأعراض

بعد انقضاء سنوات العشرينيات، يبدأ التناقص في الكتلة العظمية. وغالباً، ما يتناسى الكثيرون هذا الأمر، وخصوصاً النساء كونهن الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض. أما بالنسبة إلى أسباب الهشاشة، فهي كثيرة، لعل أهمها التغيرات الهرمونية التي تصاحب سن اليأس عند النساء وخصوصاً نقص هرمون الاستروجين، ونقص الهرمون الذكرى عند الرجال، وكلها من التغيرات التي تصاحب التقدم في السن.

تمثل النساء نحو 80% من المصابين بهشاشة العظام

وهناك عوامل أخرى قد تزيد من احتمال الإصابة بالمرض منها مثلاً عدم كفاية الكاليسيوم وفيتامين "د" في الوجبات اليومية والتدخين والمشروبات المحتوية على الكافيين وشرب الكحول وعدم ممارسة الرياضة وضعف النشاط البدني، إضافة إلى أدوية معينة مثل السترويدات ومضادات التشنج وكذلك ازدياد نشاط الغدة الدرقية.
وللعامل الوراثي دوره في الإصابة أيضاً، إذ أن إصابة أحد أفراد العائلة بهشاشة العظام يفتح الباب أمام إمكانية إصابة آخرين من العائلة نفسها. يُضاف إلى كل هذا الدخول المبكر في سن اليأس أو استئصال المبيضين. وتتفاوت أعراض المرض ما بين آلام حادة في الظهر وحدوث بعض الكسور وفقدان الوزن رويداً رويداً. ولهذا، يعدّ الكشف المبكر لمرض هشاشة العظام وعلاجه في الوقت المناسب أساسي، وذلك لإمكانية توقيف تقدم المرض، بل وحتى تراجعه أيضاً في بعض الحالات.

أنواع العلاجات

على عكس غيره من الأمراض، تبدأ علاجات الهشاشة من النظام الغذائي، قبل الخوض في العلاجات بالأدوية. ويكون ذلك من خلال تناول الأطعمة الغنية تحديداً بالكالسيوم والفيتامين "د". أما في حال لم يلق المريض نتيجة، عندها يصبح الانتقال إلى العلاج الدوائي أمراً أساسياً. ويكون ذلك من خلال تناول مكملات الكالسيوم (1200 ملغم) وجرعات وقائية من فيتامين "د" (500 وحدة دولية) للتخفيف من حدة الهشاشة العظام. ولكن، في معظم الأحيان، لا يكفي ذلك ويصبح من الضروري البدء بعلاجات تعويضية من مثل التعويض بالهرمونات، الإستروجين مثالاً. وفي هذا الإطار، أشارت دراسة فرنسية أجريت على مرضى هشاشة العظام، أن العلاج بالهرمونات قد أظهر فعالية في تقليل كسور الفقرات ومفصل الورك. يضاف إلى ذلك العلاج بمعدلات مستقبلات الاستروجين الانتقائية، كعقار الرالوكسيفين Raloxifene، والعلاجات غير الهرمونية مثل العلاج بالبيسفوسفونات bisphosphonates والأمينوبيسفوسفونات aminobisphophonates، وهي التي تساعد على إعادة بناء العظام.

"الكومبيوتر" يسبب الهشاشة


يسبب هذا المرض كسوراً لـ50% من النساء اللواتي تخطين
عمر الخمسين

أشارت إحدى الدراسات التي أجراها مجموعة علماء من النروج إلى أن الإفراط في استخدام الكومبيوتر في عمر الشباب يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام لدى الذكور في المستقبل، أكثر من الإناث. وقد اشترك في الاختبارات 484 شاباً و463 فتاة تراوحت أعمارهم ما بين 15 و18 سنة، بعد أن خضعوا لفحوص طبية شاملة بشأن قدراتهم البدنية. كذلك أجاب المشاركون في الاختبارات عن كل الأسئلة التي طُرحت عليهم بشأن نظام حياتهم. وبعدما درس الباحثون نتائج دراساتهم، استنتجوا أن قضاء ساعات طويلة أمام الكمبيوتر، يؤدي إلى نقص المعادن في نسيج العظام، الذي يسبب تطور هشاشة العظام.

ماذا عن القهوة؟

تشير بعض الدراسات إلى أن القهوة يمكن أن تكون سبباً إضافياً للإصابة بهشاشة العظام، خصوصاً أنها تحفز الجسم على إفراز الكالسيوم في البول. ويعدّ فقدان هذه المادة اللازمة لبناء العظام سبباً في انخفاض كثافة الأخيرة ويمكن أن تؤدي إلى الهشاشة. وعلى ذلك، فإن شرب 150 ملغراماً من القهوة يؤدي إلى فقدان 5 مليغرامات من الكالسيوم. مع ذلك، يمكن موازنة فقدان الكالسيوم الناجم عن شرب القهوة بإضافة ملعقتين من الحليب للكوب أو شرب القليل من اللبن.




الوقاية بالغذاء خير من العلاج بالدواء

عند عتبة الثلاثين، يكتمل بناء النسيج العظمي في جسم الإنسان. فهذا العمر هو ما يمكن أن نطلق عليه عمر "الذروة" في الكثافة العظمية، حيث تقسو العظام وتشتد في مواجهة أي خطر. لكن، مع ذلك، لا يعني هذا الاكتمال أن قوة العظام ثابتة، فقد تتراجع كتلة العظام أو تتناقص بشكلٍ تدريجي في حال التقاعس عن حماية تلك العظام. لذلك، يفترض بمن بلغ عمر الثلاثين ـ وخصوصاً النساء ـ أن يبدأ باتباع عدد من الخطوات الواقية من هذا المرض المؤلم. ولعل أهم تلك الخطوات هو الغذاء الذي سيحمي بلا شك من تدهور الكتلة العظمية بسرعة كبيرة.
ولعلّ أهم ما في النظام الغذائي، هو ذلك الذي يرتكز إلى مادة الكالسيوم التي تعدّ من أهم المعادن المكونة للكثافة العظمية، ويمكن إيجادها في المصادر الغذائية التالية: الحليب والألبان والخضار الورقية والبقوليات والترمس مثلاً.
ولا يمكن نسيان الفيتامين د أيضاً، إذ يشارك هذا الأخير في عملية تمعدن العظام عن طريق تنظيم مستوى الكالسيوم والفوسفور في الدم وترسيبه في العظام. وتعد أشعة الشمس المصدر الرئيسي للفيتامين د، كما يوجد في زيت السمك والحليب والزبدة المدعمة وصفار البيض والخضار.
وللفوسفور دوره أيضاً في تجنب هشاشة العظام، ولكن يجب أن يكون ضمن نسب محددة مع الكالسيوم في الجسم. وهو يوجد في المصادر الغذائية التالية: الأسماك والمأكولات البحرية والمكسرات وفول الصويا والتمر والحليب والحبوب الكاملة والمشروبات الغازية والشوربات الجاهزة والمواد المضافة.
وإلى العناصر السابقة، يضاف الماغنيزيوم والمنغنيز والبوتاسيوم والزنك وفيتامينات "ج" و"ك" و"أ" واليود. فبالنسبة إلى الماغنيزيوم مثلاً، من المفيد الإشارة إلى أن نصف الكمية الموجودة منه في الجسم تكمن في العظام وهو يعمل على تحويل فيتامين "د"، إلى مادته النشطة، ويدخل في عملية تمعدن العظام. ويوجد في المصادر الغذائية التالية: الخضار الورقية الخضراء والحبوب الكاملة والنخالة والمكسرات والبقوليات. أما المنغنيز، فيحافظ على سلامة الجهاز العصبي ويقوي جهاز المناعة ويحافظ على صحة العظام، ويوجد في البقوليات الجافة والنخالة والخضار الورقية والموز والأفوكادو. وكذلك الحال بالنسبة للبوتاسيوم الذي يهدئ الأعصاب ويخفض ضغط الدم، إضافة إلى حمايته للعظام وهو موجود في التمر والموز والبطاطا والمشمش والبرتقال والفاصوليا والشمام والزبيب.


* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]