هو وسيلة بوليسية تعمّمها الضابطة العدلية بناءً على إشارة من النيابة العامة بهدف العثور على أشخاص مشكو منهم أو مشتبه فيهم قضائياً، وبقي مكان إقامتهم مجهولاً. لكن بلاغ البحث والتحري ليس مذكّرة قضائية، ولم يُنَصّ عنه في أصول المحاكمات الجزائية، ولا يُعدّ مذكرة توقيف أو مذكرة إلقاء قبض، فلماذا يوقَف أشخاص على أساسه؟
نبيل المقدم
ينصّ القانون على أنّ بلاغ البحث والتحري يجب أن يتضمّن اسم المطلوب التعميم عنه وشهرته واسم الأب واسم الأم وتاريخ الولادة ومكان الولادة والإقامة، لكنّ بعض الأجهزة الأمنية تتخطى مضمون هذا القانون، وتكتفي بالتعميم بالاسم الثلاثي فقط دون بقية البيانات، ممّا يؤدي إلى تزايد توقيف أشخاص نتيجة التباس في الهوية والأوصاف، ولا سيّما على المراكز الحدودية. «نعمل في ظروف صعبة للغاية» يقول أحد العاملين في مكتب التحريات «بسبب عدم وجود نظام مكننة حديث يربط بين مكتب التحريات وبقية الأجهزة القضائية والأمنية، حيث إنّ المعلومات التي تردنا تكون مدوّنة بخط اليد، وتحتاج إلى إعادة مراجعة وتدقيق مع المصدر المرسل للمعلومة، قبل إدخالها في نظام المعلوماتية الخاص بنا». ومع ذلك لا ينفي العنصر العامل في مكتب التحريات حصول العديد من الأخطاء في إدخال البيانات، ويضيف «إننا نعمّم أسبوعياً على الأمن العام اللبناني حوالى ألف اسم لمطلوبين ببلاغات بحث وتحرّ ومذكّرات عدلية أخرى».
تعمم أسماء المطلوبين بموجب بلاغات البحث والتحري مرةً كل ست ساعات، إلا إذا ورد البلاغ من النائب العام بصفة معجّل، عندئذ يعمّم على الفور. وهنا يقفز السؤال التالي: هل عدم إعطاء بعض البرقيات صفة المعجل ساعد أو يساعد بعض المطلوبين على مغادرة الأراضي اللبنانية مباشرةً بعد حدوث جرائم تبيّن عند وقوعها أنّ هناك شبهات أو أدلّة على مشاركتهم فيها؟

حرف الجرّ إلى السجن

أوقف سميح على أحد الحواجز الأمنية وظل محتجزاً لمدة عشر ساعات قبل أن يطلق سراحه. يقول إنّ سبب توقيفه التباس في اسم الأم «بيني وبين أحد المطلوبين بموجب بلاغ بحث وتحر، حيث دُوّن اسم والدتي نهى بدلاً من اسم والدته مهى في بيانات المطلوب، الذي يحمل اسم عائلتي نفسه، وقد تطلّب حلّ المشكلة بحثاً لساعات طويلة في المحفوظات الورقية الخاصة بالمطلوبين». أما محمد، الذي أُوقف في مطار بيروت الدولي، وبقي محتجزاً ثلاثة أيام فاسم عائلته «محمد»، فيما اسم عائلة المطلوب «محمد المحمد» واسم الأب هو نفسه للرجلين.

مخالفات بالجملة

رغم أنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية حدد بوضوح مهلة بلاغ البحث والتحري بعشرة أيام (ما عدا الاستثناءات المذكورة لاحقاً) فإنّ النيابات العامة تسطّر بلاغات بحث وتحر لمدة ثلاثين يوماً، متجاهلةً مهلة العشرة أيام. يبرّر بعض القضاة هذه المخالفة بأنها تأتي من باب «تخفيف ضغوط المراجعات من جانب المتضررين من الشكوى، ووكلائهم القانونيين، الذين لا ينفكّون يطالبون بتمديد بلاغات البحث والتحري إلى الحد الأقصى المعمول به، حفاظاً على حقوق موكّليهم كما يعتقدون». ولكن هل كثرة المراجعات والضغوط تبرّر مخالفة النصوص القانونية، أم أنّ الحل يكون بتحديث أساليب العمل وتعزيز الجهاز البشري العامل في دوائر القضاء؟
يكشف مسؤول قضائي لـ«الأخبار» عن وجود مخالفات عدة موضع تحقيق ارتكبها عناصر من الضابط العدلية أثناء تنفيذهم مهمّاتهم في موضوعات تتعلق ببلاغات البحث والتحري، وواحدة من هذه المخالفات تتمثل في قيام أحد عناصر الضابطة العدلية بتحوير مضمون برقية صادرة عن النائب العام، تتضمّن إصدار بلاغ بحث وتحرّ بحق أحد الأشخاص لمدة ثلاثين يوماً، حيث عمد إلى إرسالها إلى مكتب التحريات مغفلاً ذكر المدة المسطّرة في البيان، ومع علمه أنه في حال عدم ذكر المدة الزمنية فإنّ مكتب التحريات سيسقطها في سجلاته لمدة عشرة أيام، وفقاً لما ينص عليه قانون المحاكمات الجزائية.

اللبيب من الإشارة يفهم

يذكر قانون تنظيم مكتب التحريات (البند الثاني من الفقرة «ج»): «تجري الاستعانة بموجب برقية تبث فور مباشرة الاستماع إلى أقوال الشخص المعني دون أن يعلم بذلك، ودون الانتظار حتى انتهاء التحقيق منعاً لاستبقائه في القطعة المعنية أكثر مما يجب». ولكن مع ذلك فإن هناك فترة انتظار طويلة يقضيها بعض الأشخاص، الذين تُضبط إفاداتهم بانتظار ورود جواب «النشرة» من مكتب التحريات عن المعلومات المتعلقة بأوضاعهم العدلية. هذا الانتظار مردّه إلى ضغط العمل في مكتب التحريات، وإلى عدم وجود وسيلة لتبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية والقضائية غير جهاز الفاكس. لذلك يجري إبلاغ الأجوبة عن الأشخاص الصادرة بحقهم مذكّرات بلاغ وبحث وتحرّ ومذكّرات عدلية أخرى بواسطة الفاكس. أمّا الذين لا يوجد بحقهم أيّ إشارة من هذا القبيل، فيُنتظَر اتصال هاتفي من القطعة القائمة بالتحقيق لإبلاغها الجواب. ولكن لا تعود كل أسباب التأخير إلى ضغط العمل، فجورج الذي دخل أحد المخافر للاستماع إلى إفادته بصفة شاهد، بقي أكثر من ثلاث ساعات بانتظار ورود جواب النشرة. «فهمت أخيراً ما يجب عليّ فعله، وتصرّفت على هذا الأساس، وجاء جواب النشرة بأسرع مما توقعت، وحلّت المشكلة» يقول جورج.
ويبقى السؤال: هل تنفّذ الضابطة العدلية مضمون جميع بلاغات البحث والتحري، وتدهم أمكنة وجود الملاحقين بعد أن تعثر علىها؟ الجواب البديهي أنّ نقص الإمكانات البشرية وكثرة المهمّات المنوطة بها يجعلانها عاجزة عن تنفيذ ذلك، وخاصةً مع وجود عدد ضخم من المطلوبين بموجب مذكرات البحث والتحري. ولكن أحياناً يكون تنفيذ مضمون البلاغ مرتبطاً بمدى استعداد المتضرر من الشكوى للبذل في سبيل تنفيذها، وبمدى ما يلاقيه في سعيه من قبول وتجاوب في هذا المجال.

عشر سنوات وعشرة أيام

يسقط بلاغ البحث والتحري بعد مرور عشرة أيام على تاريخ صدوره، إلّا إذا قرر النائب العام تمديده لمهلة ثلاثين يوماً يسقط بعدها حكماً. تُستثنى من هذه الأحكام بلاغات البحث والتحري الصادرة عن منظمة الإنتربول الدولي، وعن النيابة العامة التمييزية، والبلاغات الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، ومذكّرات الاستقصاء الصادرة عن قيادة الجيش، والمتعلقة بجرائم تقع على أمن الدولة الداخلي وجرائم التجسس والإرهاب والتعامل مع العدو، والبلاغات المتعلقة بالبحث عن الأشخاص المفقودين والجثث المجهولة. فتلك البلاغات لا تسقط إلّا بعد مرور عشر سنوات على إصدارها،
تتجمع أسماء المطلوبين بموجب بلاغات البحث والتحري وغيرها من المذكرات العدلية في مكتب التحريات التابع لوحدة الشرطة القضائية، حيث تحفظ عناصر المكتب هذه المستندات في نظام مكننة خاص بها، إلى جانب حفظها في أرشيف ورقي يحمل الرقم المتسلسل لكل ملف وتاريخ وروده. ويزوّد المكتب قطعات قوى الأمن الداخلي والمراجع القضائية المختصة والأجهزة الأمنية والعسكرية، بناءً على طلب خطيّ منها، بكل المعلومات عن الأشخاص الملاحقين ليتسنّى لها تنفيذ القانون في هذا المجال.


استثناءات بالجملة

إن محفوظات مكتب التحريات تؤمّن لسائر القطعات معرفة الأحكام والمذكرات والملاحقات القضائية ومصدرها، وتكون الاستعانة بها إجبارية عند ضبط إفادة أي شخص في أثناء إجراء تحقيق عدلي أو إداري أو مسلكي، سواء كان شاهداً أو شاكياً أو مشكواً منه أو مشتبهاً فيه لدى إدخال المحكوم أو الموقوف إلى النظارة أو السجن أو قبل إخلاء سبيله. لكن يستثنى من ذلك الإجراء، بحسب قانون تنظيم مكتب التحريات (البند «ج»)،
ــ الوزراء والنواب والقضاة عند حضورهم بصفة شاكين.
ــ المحامون عند الاستماع إليهم بصفتهم شاكين أو وكلاء شاكين.
ــ المختارون، ما عدا الحالات التي يكونون فيها شاكين أو مشكواً منهم.
ــ ضباط الجيش والأجهزة الأمنية في الخدمة الفعلية.
ــ رتباء وأفراد قوى الأمن الداخلي في الخدمة الفعلية الذين يستدعون بواسطة رؤساء قطعاتهم.