الأسبوع الماضي صادر مكتب مكافحة المخدرات الإقليمي في البقاع 175 ألف حبة كبتاغون معبّأة في أكياس بلاستيكية، وتلفت تقارير دولية إلى انتشار هذا المنشّط بكثرة في الدول العربية. ما هو الكبتاغون؟ وكيف يجري تصنيعه؟
غادة دندش
الـ«كبتاغون» اسم الحبوب المنشطة التي تقضي على أي إحساس بالألم أو التعب، وترفع منسوب العدائية والنشاط إلى أقصى الحدود لدى من يتناولها، فتحوّله خلال دقائق إلى آلة لا تتعب ولا تكلّ ولا تشعر بأي ألم. الـ«كبتاغون» هو الدواء الممنوع عالمياً منذ عام 1986، الذي لا يزال متوافراً في لبنان بكمّيات هائلة.
في الثامن من الشهر الجاري، صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بلاغ أكّدت فيه أن مكتب مكافحة المخدرات الإقليمي في البقاع صادر 175 ألف حبة كبتاغون كانت معبّأة داخل 162كيساً من النايلون الشفاف، وموضوعة داخل سيّارة مسروقة، من نوع هوندا متوقّفة عند مفرق بريتال. هذه الكمّية ليست الأولى التي تصادرها القوى الأمنية اللبنانية، ففي شهر نيسان الماضي صادر مكتب مكافحة المخدّرات المركزي برئاسة العقيد عادل مشموشي550 ألف قرص كبتاغون، وجدت في رافعة محمّلة على قاطرة تجرّها شاحنة معدّة للنقل الخارجي في محلّة المريجات، وذلك أثناء توجّهها إلى نقطة المصنع الحدودية. وفي أوائل الشهر نفسه كانت القوى الأمنية قد ضبطت «أدوات تصنيع الكبتاغون في عكّار شمال لبنان».
ما هو الكبتاغون؟ وما الذي يجعله مرغوباً في لبنان والكثير من البلدان العربية؟
الكبتاغون منشّط قوي تدخل في تركيبته مادتا الفينيتيلين والكافيين. الفينيتيلين مادة كيميائية صُنّعت للمرّة الأولى عام 1963، واستُخدمت بديلاً للأمفيتامينات في علاج بعض الأمراض العصبية المزمنة ومضاداً للاكتئاب. اعتُمد الفينيتيلين في تلك الحقبة لأنه لا يرفع ضغط الدمّ، كالأمفيتامينات. لكن الاستخدام الشرعي لهذه المادة انتهى في معظم بلدان العالم عام 1986 بقرار من منظمة الصحّة العالمية. أمّا البلدان التي استمرّت في استخدامها، فوضعت ضوابط حازمة على كيفية صرفها. ففي لبنان مثلاً، وضعت هذه المادة ضمن الجدول الثاني من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971، كما بقيت ضمن الجدول الملحق بالقرار 1/61 بتاريخ 23 كانون الأول عام 2001، واللافت أن حبوب الكبتاغون التي تحتوي على هذه المادة، إضافةً إلى الكافيين الذي يضاعف من تأثيراتها، ما زالت شائعة في معظم البلدان العربية بعد مرور أكثر من عشرين سنة على منعها.
ميزة الفينيتيلن أنه حالما يدخل الجسم البشري يتحوّل بتأثير عملية الأيض إلى الأمفيتامين بنسبة 24.5%، وإلى تيوفيلين بنسبة 13.7% ، فيما تحافظ الكمّية الباقية على طبيعتها الأساسية ويصبح تأثير هذه المواد الثلاث مضاعفاً بسبب وجود الكافيين في الكبتاغون.
الكبتاغون هو إذاً منشّط قوي يعمل على جبهتين، الجبهة النفسية والجبهة الفيزيولوجية، فهو يرفع قدرة التركيز لدى من يتناوله بقوة كما يزيد من عدائيته بطريقة مفرطة، ويخفض بقوّة الإحساس بالتعب أو الألم مهما كان قويّاً لدى من تناوله.
الكبتاغون لا يحتاج إلى وقت طويل وكمّيات كبيرة ليعطي مفعوله. إذ يكفي أن يتناول المرء حبّة واحدة من الكبتاغون حتى ينال مراده، ويستمرّ تأثير الكبتاغون لساعات بعد تناول الجرعة. لكن كشفه في الجسم يصبح مستحيلاً بعد مرور أقل من أسبوع على تناوله.
خلال الثمانينيات، كان تناول الكبتاغون شائعاً بين لاعبي كرة القدم وبعض الرياضات الأخرى، لكنّه اليوم بات أكثر شيوعاً بين الشباب الباحثين عن المتع العنيفة، وبين أعضاء الميليشيات المسلّحة في العالم. يجهل معظم مستخدميه تأثيراته الجانبية المخيفة التي تبدأ من تأثيره في الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي)، وتنتقل إلى القلب والشرايين لتنتهي في الجهاز الهضمي.
أكّدت الدراسات أن درجة إدمانه مرتفعة جداً، وتفوق في الكثير من الحالات درجة إدمان الهيرويين. ولا تقتصر عوارضه على التعرّق الشديد واللوغوري (الإفراط في الكلام والتعبير عن المشاعر) بل تتعدّاهما إلى الهلوسة والبرانويا. كل هذا بعد تناول الجرعات الأولى من الكبتاغون. ويختصر جان داميان لوساي في مقالته «قصّة قصيرة عن الكبتاغون» التي نشرها موقع «سو فوت» الإلكتروني حالة مدمن الكبتاغون بما يأتي «حين تشاهد لاعب كرة قدم، أو رجلاً في مكان عام أو شاباً في نادٍ ليلي وقد تعرّق بنطاله بشدّة، وبدأ يتحدّث بصوتٍ عالٍ ويشتم المسؤولين عن المكان ويتحرّش بشدّة بالنساء (أو الرجال) فهذا يعني أنه في 90% من الحالات قد تناول حبة كبتاغون».
ذكر تقرير لمكتب المخدّرات التابع للأمم المتحدة، نشره موقع أراب نيوز الإلكتروني، أن استخدام الكبتاغون ارتفع ارتفاعاً غير مسبوق في عدد من البلدان العربية، ولا سيّما الخليجية منها، وأن السعودية احتلت عام 2008 المركز الأول في العالم في استهلاك المنشّطات غير الشرعية. جاء في التقرير أيضاً أن كمّية المنشطات التي ضُبطت العام الماضي في منطقة الخليج تفوق تلك التي صودرت في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا مجتمعة. اللافت أن التقرير الذي أصدره مكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة استخدم تكراراً وصفَي «غير مسبوق» و«كارثيّ» في إطار الحديث عن استهلاك الشبان والشابات في العالم العربي للكبتاغون.
من جهة ثانية، ورد في التقرير المذكور أن حبّة كبتاغون 30 ملغ هي الأكثر شيوعاً بين المراهقين والشباب في العالم العربي، وأن الشبان يستخدمونها لرفع إحساسهم بالثقة بالنفس ورفع منسوب النشاط لديهم في مختلف المجالات، فيما تستخدمها الفتيات لرفع منسوب النشاط ولفقدان الوزن السريع. في الحالتين يؤكّد التقرير أن الأمور تنتهي بهؤلاء الشبان والشابات إلى الإدمان والهلوسة.
يحذّر التقرير من أن عدداً كبيراً من الطلّاب الجادّين يقعون في فخّ استخدام الـ«كبتاغون»، دون أن يدروا، وذلك لرفع قدرة السهر والتركيز لديهم خلال الامتحانات.
أخطر ما في الـ«كبتاغون» أنّ تصنيعه في غاية البساطة، ولا سيّما بعد الحصول على المواد الأوّلية التي تدخل في تركيبته، أي الفينيتيلين والكافيين. مراحل التصنيع تقتصر على توفير بعض أنواع الزيوت المذوّبة للمادتين حتى يجري مزجهما، وبعد ذلك يكفي وضع المعجونة في آلة خاصة بسيطة الاستخدام للحصول على الحبوب الجاهزة. لا يحتاج الأمر إلى درجة حرارة مرتفعة ولا إلى ضغط عالٍ.


لبنان يكافح انتشار القرص المخدّر

عقدت مجموعة العمل بشأن «تهريب الكبتاغون في منطقة الشرق الأوسط» في 17 كانون أول 2008، اجتماعاً في فندق «مونرو» ببيروت لمكافحة انتشار حبوب «الكبتاغون»، حضره ممثل الأمانة العامة للانتربول غانتر سيليبولد على رأس وفد، وقائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى مترئساً وفد لبنان. ألقى العميد يحيى كلمة حينها، تحدّث فيها عن «تنامي ظاهرة الأصوليات، والإرهاب الذي يستهدف كيان الدول الحرة»، لافتاً إلى أن العالم «ركّز على ضرورة التصدي للإرهاب، غافلاً عن تنامي إقبال الناشئة على تعاطي المخدرات بصورة كثيفة»، كما أشار يحيى إلى انتشار ظاهرة تعاطي أقراص «الكبتاغون» بين الطلاب، ليتحدّث عن ضبط كميات كبيرة من الكبتاغون في لبنان، لافتاً إلى تنسيق استعلامي بين لبنان وسوريا وألمانيا وقطر أسهم في توقيف مشتبه في تورّطهم بتهريب الكمية المذكورة. في 7 نيسان الماضي، دهمت الشرطة القضائية مكاناً يُشتبه في استخدامه لتصنيع مادة الكبتاغون المخدّرة في بلدة «الرّامة»، وضبطت مختبراً لتصنيع هذه المادة وكمية من المواد الكيماوية التي تُستخدم في تركيبها.