يبدأ أغلب متعاطي المخدرات رحلتهم بالأقراص المهدئة، أو حشيشة الكيف. لا يجدون صعوبة في الحصول عليها، وبعضهم ينتقل إلى مراحل أشد إدماناً، وخطورةً، قد تصل إلى استعمال «خلطات» يبتكرونها بأنفسهم
توفيق حيدر
كان عمر وسام 15 عاماً فقط، عندما بدأ بتعاطي المخدرات. كان الأمر يشبه الأفلام الكلاسيكية. وضع أصدقاء له قرصاً مخدراً، في كوب العصير. يصف شعوره حينها بالمنعش. كرر أصدقاؤه الأمر أكثر من مرة، وأصبح مدمناً من حيث لا يدري. صار يفعل أي شيء، للحصول على تلك الأقراص. لم تعد المخدرات التي اعتادها في بداية تعاطيه، تشبع رغبته تماماً. ومع مرور الوقت، تحول إلى متعاطٍ «إكسترا». درج هذا التعبير عن نوعية المخدرات أخيراً، بين مجموعة كبيرة من الشبان المتعاطين، الذين يتداولون الأمر في ما بينهم. لا يخشون انفضاح سرهم. الأهم بالنسبة إليهم، هو إشباع رغبتهم وحسب. ويُخشى أن انتشار هذه المواد الممنوعة بلغ حداً خطيراً، وفقاً لما يؤكده أحد سكان المناطق، شاكياً «تفشي هذه الظاهرة وابتعادها عن أعين القانون، حتى وصلت إلى حد التعاطي على الطرقات العامة». في الحديث عن أخبار كهذه، تبدو روتينية في شكلها، فإنّ أول ما يتبادر إلى الذهن، هو المناطق التي ترزح تحت خط الفقر، التي ردّد كثير من أهلها، ممن التقتهم «الأخبار» رغبتهم في رؤية «الدولة». والفقر في المناطق، ليس وحده سبباً.
أكد مسؤول أمني رفيع أن الشرطة «تتعاون مع الأهالي للإيقاع بالتجّار الكبار»
ففؤاد، كوسام، بدأ التعاطي خلال رفقة السوء. لكن ذلك حدث بعلمه، ولم تُدسّّ له الأقراص على غفوةٍ منه. لا يجد مانعاً في إطلاعنا على التفاصيل، شرط أن لا نذكر اسمه كاملاً. «السيمو» يقول ساخراً. كان ذلك بدايةً، قبل أن تتدرج الأمور «إلى الأعلى». «لم تعد زجاجة واحدة كافية»، يشرح مشيراً بكلتا يديه إلى عبوة دواء السعال المذكورة. وفي شرح أشد وضوحاً، ذكر فؤاد أن حالته عند التعاطي تصبح هستيرية. تحمرّ عيناه وأحياناً يفقد الوعي، والسيطرة على تصرفاته. ذات مرة نسي أين هو، فشعر بالخوف، وبدأ بتشطيب بطنه بيديه العاريتين. لا يستكين إلا عندما يرى الدم، أعلن ذلك بلا رحمة، لا بل إنه قدم شرحاً علمياً «الجسم في هذه الحالة يكون في حالة هيجان عصبي، والدم ضروري لأنه يحدث الخوف والسكينة». وصل الأمر بفؤاد، في إحدى المرات، إلى استعمال خبرته في أمور المخدرات، فوضع أحد هذه الأقراص في كوب عصير كانت تشرب منه إحدى الفتيات، بغية استغلالها جنسياً. الأقراص لم تعد تناسبه. صار يستخدمها للفتيات. أما هو: فانتقل إلى الكوكايين.

ما بعد «الأقراص»

هكذا يتابع المتعاطي رحلته، إذا لم يُعالج سريعاً. يتحدثون عن نمط تقليدي: أقراص، حشيشة الكيف، فهيرويين أو كوكايين. تبقى الرحلة سهلة في الخطوات الأولى، فالحبوب متوافرة «عند بعض تجار السوق السوداء وبأسعار بخسة» على ذمة ربيع، أحد المتعاطين الجدد، علم من صديقٍ له، بأنها تهرّب من الأراضي السورية عبر عملاء ومهربين وبكميات كبيرة. التاجر الكبير يبيعها إلى التجار الصغار، الذين بدورهم يبيعونها للأفراد، كربيع، الذي لا يكترث للبلد المصدر. يخالفه فؤاد الرأي. فهو يطمح إلى أن يصبح تاجراً. يعترف بأنه اضطر إلى النشل، والسلب، لتأمين المال. الكوكايين يفوق كل الأنواع الأخرى ثمناً: «الحبة بـ80». والحبة، هي غرام صافٍ من الكوكايين، أما الثمانون، فهي بالدولار الأميركي. عندما نطلب منه أسماء مزوّديه ببضاعته، يتردد قليلاً. يتحدث عن تاجرٍ كبير، يقول إن الجميع في بيروت وضواحيها يعرفونه. يطلقون عليه لقب «الحاج»، مرجحاً أن الأخير يوزع «بضاعته» عبر شبكة طويلة من الموزعين، وتجار الجملة.
وفي سياق منفصل، أكد أحد وجهاء الأحياء الداخلية في بيروت، أن البيئة الاجتماعية، لا تساعد على التخلص من آفة المخدرات. استفاض الرجل، ليبدي استياءً من تصرف القوى الأمنية، بعد قبضها على مشتبه فيهم بتعاطي المخدرات واتجار بها. «تتسلمهم الدولة من المخافر، لكن في أحيانٍ كثيرة يطلَقون بعد فترة قصيرة»، يشكو الرجل. وقد سأل مع مجموعة من الأهالي عن الأمر، فكان تبرير بعض رجال الأمن لهم، أنه ليس هناك قانون عقوبات، وليس هناك نصوص قانونية، تدين المتعاطين، أو تجار الحبوب تحديداً، فقانونياً الأقراص تعد من الأدوية. وفي الإطار نفسه، أكد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار»، أن الشرطة تحاول التعاون قدر الإمكان مع المتعاطين الجدد، أملاً في علاجهم سريعاً، والوصول عبرهم إلى التجار الذين يمثّلون خطراً حقيقياً. وتحدث المسؤول عن إحدى الحالات، التي استطاعت الشرطة خلالها القبض على تاجرٍ كبير في منطقة الشويفات، بعدما اتصلت به إحدى «زبوناته» الموثوق بهن، وأُوقع به بالجرم المشهود. لكن، وتبعاً لشهادة عدد من المتعاطين، ممن التقتهم «الأخبار»، فإن بعضاً من هؤلاء الذين يخرجون من السجن، كي يصبحوا «مخبرين» لدى الشرطة، «يفتحون تجارةً على حسابهم الخاص، ويستمرون في فعلتهم».


خلطات «إكسترا»

بضع حبات من الترامال (مسكّن)، حبتا إسبيرين، بضع حبات من دواء آخر، سيجارة من الحشيشة، وفنجان قهوة. هكذا، تكتمل الخلطة الجديدة، المنتشرة في أوساط عدد كبير من المتعاطين، كما قال أحدهم. يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى. لكن حين يشرح المتعاطي التفاصيل، يخف الاستغراب تدريجياً. «الترامال يهدئ الأعصاب، والأسبيرين يفعّل الدورة الدموية تجنباً لحصول جلطة بسبب الترامال، والقهوة كمنبّه يمنع الغيبوبة، لكن الحشيشة، فبيت القصيد، وبدونها لا يكتمل الكيف». أما فؤاد، الذي يتعاطى الكوكايين، فلا يجد صعوبة في الحصول على هذه الخلطة أو غيرها. «تأتيه بضاعته بواسطة «الدليفيري». يسلمه إياها شخصان، على متن دراجة نارية. يبدو أنه أصبح موثوقاً به بالنسبة إلى تاجر الجملة.


«أطباء... ونِعم الأطباء»

وصف أحد متعاطي الأقراص المهدئة طريقة حصوله على هذه الأقراص، بالشرعية تماماً «وما حدا إلو معي». كيف لا؟ وهو يحصل على «حبوبه» من الصيدليات، لا من تجار الشوارع. لم يجد ضيراً في تسمية طبيبين (أكد أنهما معروفان في أوساط المتعاطين)، يعطونه وصفة طبية للحصول على هذه المواد، على أنها أدوية للأعصاب، وذلك مقابل مبلغ من المال، أقل من سعر تلك الأدوية نفسها: خمسة آلاف ليرة لبنانية فقط، هو ثمن وصفة طبية، تجيز شراء البنزكسول، والكزاناكس، والترامال، وغيرها من الأقراص التي يصفها الأطباء في حالات نادرة، بينما يستغلها الشبّان، ليبدأوا عبرها رحلة التعاطي المرة. كان متعاطٍ آخر، أكثر وضوحاً، «اذهب إلى صيدلية (يسميها) وهناك خذ ما شئت من حبوب، وبأسعار تشجيعية»، يختم ساخراً.