الهرمل | «مخافر إقليمية ذات ظروف حياتية صعبة وخدمة شاقة». عبارة توّجت أحد تقارير المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بشأن حالة بعض المخافر في لبنان، لجهة مشقة الجغرافيا وقساوة الخدمة فيها، الأمر الذي يتطلب الاهتمام بها وبتشكيلات عناصرها كل فترة. مخفر الهرمل أحد هذه المخافر الإقليمية، لكنّ تصنيفه هذا لم يشفع له. فمعادلة عناصره البشرية والآليات العسكرية التابعة له لم تتغير، وبقيت ثابتة على ستة عناصر فقط مكلفين بحفظ الأمن والاستقرار لأكثر من 80 ألف نسمة، موزعين على أكثر من 30 قرية حدودية وجردية، وبواسطة آلية عسكرية واحدة «أكل الدهر عليها وشرب»، وتتطلب زيارة لمرأب التصليح إثر كل دورية أمنية جردية.
في الطبقة الأرضية من مبنى السرايا الحكومية يقبع مخفر الهرمل إلى جوار موقف السيارات. عديده الفعلي ثلاثة عشر رجل أمن، من بينهم رئيس المخفر وإداريان وعنصر بث برقيات، إضافة إلى ثلاثة عناصر يُفصلون دورياً ــــ شهرياً إلى سجن رومية ومخفر ضهر البيدر، وأحياناً كمؤازرة إلى زحلة وبعلبك، فلا يبقى في الخدمة الفعلية إلا ستة عناصر يوزعون مناصفة وفق جدول خدمة: عنصر يعمل «حارس ثكنة» (مخفر)، واثنان بينهما رتيب تحقيق مع آلية عسكرية، مهمتهما حفظ الأمن والنظام وقمع المخالفات وإجراء التبليغات اللازمة والنظر في الحوادث الأمنية المختلفة. كل ذلك في منطقة تشمل 30 قرية بدءاً من الهرمل ذاتها، مروراً بقرى ومناطق مرجحين الجردية وزغرين والبويضة ووادي الرطل ووادي التركمان والبستان، وصولاً حتى حدود قضاء الهرمل مع محافظة الشمال، وبالتحديد القبيات. ويوضح مسؤول أمني أن نطاق مخفر الهرمل «يتخطّى المنطقة، فيضطر عناصر الدورية في كثير من الأحيان إلى قطع مسافة أكثر من 30 كيلومتراً خارج المنطقة للوصول إلى مرامل مخالفة في محلة النعناعة ـــ الرويمة التابعة لنطاق المخفر، متسائلاً: «كيف سيُحفظ الأمن والنظام في تلك المنطقة الجردية البعيدة، إذا كانت دورية موجودة هناك وحصلت حادثة أخرى في قرى الهرمل؟». ويجيب: «قطعاً، في ظل ضآلة عديد عناصر المخفر وعدم توافر آلية عسكرية أخرى، سينتظر القتيل، أو طرفا المشكل، حتى عودة عناصر الدورية من مهمتهم الأمنية الأخرى!».
وما يزيد الطين بلة، بحسب مسؤول أمني، أن المشكلة لا تقتصر على ضآلة عديد العنصر البشري، بل تتعدى ذلك إلى «مهمات وملفات مرهقة تستنزف قدرة المخفر». فقد ألقيت على عاتق قوى الأمن الداخلي ملفات البناء والتبليغات والسجون والأحراج والتهريب والبيئة، وجميعها من اختصاص إدارات ووزارات أخرى، علماً بأنه لا قدرة للبلدية على متابعة أي من هذه الأمور، لأنها هي الأخرى تعاني نقصاً في عديد شرطتها الذي يقتصر على اثنين فقط. ملف مخالفات البناء، مثلاً، هو أحد أكثر الملفات التي تستنزف قدرة مخفر الهرمل، إضافة إلى التبليغات القضائية التي تزيد على 150 تبليغاً في الشهر، في منطقة جردية قاسية وآلية عسكرية واحدة غير رباعية الدفع، علماً بأن التبليغات تدخل ضمن نطاق عمل مباشري وزارة العدل، «ولو رفعت المهمات الدخيلة على صلاحيات قوى الأمن الداخلي لأصبح الوضع بألف خير» بحسب المسؤول الأمني.
ومن حسن الحظ أن العادات العشائرية في المنطقة تساعد على حل كثير من المشاكل الأمنية «عبر القنوات العشائرية»، وهو ما يجد فيه المسؤول الأمني «عاملاً مساعداً في معالجة العديد من المشاكل التي تحصل، وفي مقدمها جرائم القتل، وإلا لكانت الأمور أسوأ بما لا يقاس».
أكثر من 15 تقريراً أحالها مخفر الهرمل على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بغية تعزيز عديد المخفر بالعناصر، إضافة إلى تقارير أخرى من فصيلة الهرمل ومخفر القصر الحدودي. إلا أن المسؤول الأمني يشير إلى «أن الذريعة حاضرة دائماً لجهة عدم توافر العديد الكافي من عناصر قوى الأمن الداخلي لتوفير التعزيزات اللازمة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن عديد شعبة المعلومات وأمن السفارات والعناصر المكلفة بحماية شخصيات سياسية وغير سياسية».
رئيس اتحاد بلديات الهرمل مصطفى طه أكد لـ«الأخبار» أنه منذ عام 2009، وأثناء ولايته رئيساً لبلدية الهرمل، تقدم بكتاب خطي إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي يطالب فيه بسرية لقضاء الهرمل، «خصوصاً بعدما أصبح الوضع لا يطاق، حيث لا عناصر ولا آليات عسكرية لتطبيق القوانين وتنفيذها»، مشيراً إلى أن المدير العام تعاطى مع الطلب «بإيجابية كبيرة، وأكد ضرورة حصول المنطقة على سرية أسوة ببعلبك وزحلة، طالباً توفير قطعة أرض لبناء مركز السرية». طه أكد أن قطعة الأرض «جرى توفيرها بسرعة من قبلنا، إحساساً منّا بضرورة إنجاز هذا المشروع، حتى إن قطعة الأرض أصبحت باسم مديرية قوى الأمن الداخلي»، متوجهاً بالسؤال إلى اللواء ريفي عن الأسباب التي حالت دون تنفيذ المشروع بعد مضي ثلاث سنوات، «على الرغم من إدراجه على موازنة عامي 2009 و2010؟».
«الأخبار» علمت أن مديرية قوى الأمن الداخلي تواصلت قبل شهرين مع بلدية الهرمل للإشارة إلى أن العقد الذي أبرم مع المديرية لجهة قطعة الأرض حددت مدته بسنتين، وبما أنه لم يُشرع في التنفيذ بعد مرور ثلاث سنوات، فإن ملكية قطعة الأرض تعود إلى صاحبها، أي إلى البلدية. ويشير رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر إلى أن «المجلس البلدي اجتمع فعلياً منذ شهرين، واتخذ قراراً بإعادة تسجيل قطعة الأرض باسم مديرية قوى الأمن الداخلي، ليصار بعدها إلى إحالة القرار على المديرية بسرعة»، وبذلك تكون البلدية قد أنجزت الشروط المطلوبة منها، ليبقى الشروع في التنفيذ «على همّة المديرية».
وبناءً عليه، لا تزال الهرمل بانتظار مبنى السرية والعناصر والآليات والتجهيزات الكافية لها، فلا يضطر عناصر المخفر إلى اللجوء دوماً إلى البلدية للاعتماد على فاكس حيناً أو «لاستعارة ماعون ورق» أحياناً أخرى. وبحسب مسؤول أمني، فإن قضاء الهرمل الذي تبلغ مساحته 136.5 كلم2، ويضم 42 قرية وبلدة، وما يقارب 100 ألف نسمة، يحتاج إلى 700 رجل من قوى الأمن الداخلي، في حين يبلغ العدد الإجمالي لفصيلة الهرمل مع مخفريها في الهرمل والقصر 34 عنصراً، أي بمعدل عنصر لكل قريتين.



الهرمل أقصى شمال الخريطة اللبنانية

قضاء الهرمل أحد الأقضية الخمسة في محافظة البقاع، والقضاء الثاني مع إقرار محافظة بعلبك ـــ الهرمل. يتموضع في أقصى شمال المحافظة، بمساحة تقدر بـ732 كلم2 وبمعدل 6,9 من مساحة لبنان الإجمالية، وتمتد حدوده الغربية والجنوبية من أعلى قمة في لبنان، القرنة السوداء، مع عكار والمنية ـ الضنية، وصولاً حتى جرود بعلبك من الجهة الشرقية، حتى الحدود السورية من الشمال. يرتبط قضاء الهرمل مع غيره من الأقضية بطريقين رئيسين، الأول يمر عبر طريق بعلبك باتجاه مدينة زحلة، والثاني عبر جرود المنطقة باتجاه القبيات ـ عكار، في الوقت الذي تعتبر فيه مدينة الهرمل من أبعد المدن عن العاصمة بيروت.
أما قرى قضاء الهرمل فتصل الى 42 قرية، منها: الهرمل، الحميره، الخرايب، الشواغير التحتا، الشواغير الفوقا، الشربين، وادي فيسان، وادي فعرا، القصر، المعيصرة، وادي التركمان، وادي الرطل، وادي العس، زغرين، قنافذ، وادي الكرم، سهلات الماء، الحريقه، الكواخ، جوار الحشيش، البستان، وادي بنيت، الزويتيني، المنيره، نيحا، مراح العين، السويسه، مزرعة سجد، حارة المعاصر، حوش السيد علي، مزرعة بيت الطشم، بريصا، مزرعة الفقيه، البويضة، الدورة.