طارق ترشيشيمهما طالت المفاوضات، فإن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الجديدة ستولد في أي وقت هذا الأسبوع، وإلا فإن التأخّر إلى ما بعده سينمّ عن وجود مشكلة حقيقية تهدد «اتفاق الدوحة» الذي أُريد له أن يكون خريطة الطريق للعبور بلبنان إلى مرحلة جديدة تجسّدها حكومة الوحدة الوطنية، وصولاً إلى الانتخابات النيابية المقررة ربيع السنة المقبلة التي يعوّل عليها إنتاج حياة سياسية جديدة من حيث تموضع القوى على المسرح السياسي.
وفي هذا الإطار، يعتقد كثيرون بأن السنيورة سيكون مع الحكومة الجديدة غير ما كان مع حكومته الحالية المستقيلة، لأنه الآن في موقع الملزم بالأخذ بأهداب التوافق مع القوى السياسية التي ستشارك في الحكومة، وخصوصاً مع المعارضة التي نالت «الثلث المعطّل» بما يحول دون حصول أي صدامات سياسية أو أزمات داخل مجلس الوزراء.
والذين يلتقون السنيورة في هذه الأيام، وقبلهم الذين شاركوا في الاستشارات، يقولون إن الرجل يتجه إلى فتح صفحة جديدة، وخصوصاً مع المعارضة، لاقتناعه بأنه لن يكون في مقدوره التصرف بأي شأن واتخاذ أي موقف، وخصوصاً في شأن القضايا الأساسية خارج منطق التوافق الذي أرساه «اتفاق الدوحة» من جهة، والذي ستكرسه حكومة الوحدة الوطنية «التوافقية». ويستدل هؤلاء على توجه السنيورة هذا من المواقف التي أطلقها منذ الجلسة الختامية لمؤتمر الدوحة حيث يركز على «طي صفحة الماضي» وفتح صفحة جديدة.
وفي هذا السياق، فإن بين أقطاب المعارضة مَن يرى أن السنيورة يخوض، أو يستعد لخوض «معركة الدفاع عن نفسه» بالدرجة الأولى من أجل محو اتهام المعارضة له بأنه كان «المعطّل لكل وفاق والمعرقل لأي اتفاق» في خلال العامين الماضيين خصوصاً، لأنه شكل خلالهما، في رأي قطب معارض، «واجهة للاعبين غير مرئيين على المستويين الداخلي والخارجي» إلى درجة أن «بعض القوى السياسية والشخصيات في لبنان قد شنّت حربها على المعارضة وعلى المقاومة تحت عباءة الحكومة التي يتحمّل السنيورة المسؤولية عن سياستها، في الوقت الذي عملت فيه الإدارة الأميركية، بالتعاون مع حلفائها وتحت غطاء هذه الحكومة أيضاً، على محاصرة المشروع الوطني اللبناني المرتكز إلى المقاومة، ما جعل السنيورة يتحمّل عن قصد أو غير قصد، ومسؤولاً كان أو غير مسؤول، تبعة كل صغيرة أو كبيرة، وخصوصاً إذا ما صحّت المعلومات التي تحدثت عن أنه تعرّض لضغوط كبيرة من أجل اتخاذ القرارين الشهيرين قبل أسابيع في شأن شبكة الاتصالات الخاصة التابعة لحزب الله والمقاومة ورئيس جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير».
ويرى هذا القطب المعارض أن السنيورة وأمام «الفرصة الذهبية» التي أعطيت له لكي يبقى في الواجهة، سيحرص على أن لا يكون متراساً سياسياً في انتظار أن يرتفع ثمن المقايضة الإقليمية وخصوصاً في العراق، وهو سيتمكن من حجز موقعه داخل المشهد السياسي اللبناني إذا ما أحسن استغلال فرصة التوافق التي أتاحها اتفاق الدوحة وإعلان النيات المتبادل نسبياً بين الموالاة والمعارضة نحو التهدئة ليثبت قدرته على تأليف حكومة الوحدة الوطنية التي ما تزال عالقة نتيجة العثرات والعقد التي يزرعها بعض الأطراف التي لم تتعلم من تجربتها الأولى في نفخ الأحجام الوهمية لتحاول الضغط على الرئيس المكلف تأليف الحكومة بغية تكبير حجمها كما هو حاصل مع «القوات اللبنانية».
على أن ما يعوق، أو يؤخر ولادة الحكومة هو «الريجيم السياسي» القاسي المطلوب من فريق الموالاة البدء به عبر التخلص من بعض الأحمال الوهمية التي كانت تملأ الكراسي ضمن كورسه السياسي لإظهار الحجم المنتفخ نتيجة الجرعات الخارجية الهاتفية حيناً وعبر الزيارات المتكررة حيناً آخر.
والسؤال الذي يطرحه فريق المعارضة الآن هو: هل ينجح السنيورة في تأليف حكومة متوازنة بعدما تم استبعاد خيار تولّي رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري هذه المهمة، أم إنه سيخضع لضغوط من الأقربين والأبعدين بما يعرّضه وحلفاءه لـ«الضربة القاضية» سياسياً أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان و«الثلث المعطّل»، وفي هذه الحال يكون السنيورة قد هُزم مرتين: مرة عندما فُرض عليه القتال سياسياً نيابة عن الغير، ومرة ثانية برسوبه كشخصية سياسية تملك هامشاً، ولو صغيراً، في استقلالية القرار، أو أنه سيبقى السياسي الذي ينفّذ ولا يعترض أبداً...؟