فيصل القاق*لا نزال نستمد بعض مقاربات الصحة والسلامة من القول اليوناني المأثور «العقل السليم في الجسم السليم»، ونجتهد منه بعضها الآخر مثل قولنا إن «الجسم السليم في العظم السليم».
بدأ الاهتمام العالمي بصحة العظام يزداد بعدما ارتفعت معدلات انتشار «ترقّق العظام» (Osteoporosis) وارتفعت معه الأكلاف الصحية والنفسية والمادية على الأفراد وعلى النُظُم الصحية. تُعرِّف منظمة الصحة العالمية هذه الحالة بـ«المرض العظمي حيث تتدنى كثافة العظام وتتغير نوعيتها، فتصبح هشّة وقابلة للكسور». يعني ذلك خسارة مادة الكالسيوم من العظام مع مرور السنين بنسبة أعلى عند النساء منها عند الرجال، لأن كثافة العظام عندهن أقل منها عند الرجال، ويستهلكن كالسيوم أقل، إضافة إلى اعتمادهن على هرمون الاستروجين لتقوية وحماية عظامهن.
تصل كثافة العظام عند الجنسين إلى ذروتها في الـ35 سنة من العمر، تبدأ بعدها بالانحدار التدريجي البطيء الذي يتسارع عند المرأة بعد انقطاع الطمث. تقدّر التقارير الوبائية خطر الإصابة بكسور نتيجة «ترقق العظام»، بنسبة 30 إلى 40% لدى المرأة وبنسبة 20% للرجل. في عام 1990، سجّل العالم حوالى 1،7 مليون إصابة بكسر الورك مما يدل على فداحة المرض. يتطور المرض على مدى سنوات عدة دون أن تصاحبه أيّ عوارض ولذلك سمي «المرض الصامت» إلى أن تبدأ عوارضه بالانكشاف في مرحلة الشيخوخة حيث تحدث غالبية الكسور فوق عمر الـ65 عاماً. تتضمن العوارض: قصر القامة، انحناء العمود الفقري، تقوّس الظهر، آلام مزمنة في الظهر، تكسّر العظام، وخصوصاً العمود الفقري، الورك والرسغ. وتتسبب كسور العمود الفقري بعوارض مرضية فقط في 30% من الحالات!
فإذا كان هذا المرض «صامتاً» تقضي الحيطة بالتعرف إلى عوامل خطورته للوقاية منه بدل انتظار ظهور عوارضه. تتعدد العوامل وتختلف لتشمل: انقطاع الطمث قبل سن الـ48، تناول كميات غير كافية من الكالسيوم، قلة ممارسة الرياضة، التدخين، شرب الكحول المزمن، استئصال المبيضين، تناول الكورتيزون، إفراط هرمون الغدة الدرقية، نحافة البنية، وجود تاريخ أسري، وقلة التعرض لأشعة الشمس.
في الأساس تقوم معالجة «ترقق العظام» على مقاربتين: دوائية/ هرمونية وهي متعددة ومتقدمة، وغير دوائية، وتهدف إلى تعزيز صحة العظام والتقليل من إصاباتها، إضافة إلى تحسين نوعية الحياة. ترتكز المقاربة غير الدوائية، على الممارسة الدائمة للتمارين الرياضية، وعلى الاهتمام بالنظام الغذائي.
فالنظام الغذائي يجب أن يتضمن وجبات غنية بالكالسيوم، المكوّن الأساس للعظام.
في عام 2002 أصدرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الصحة العالمية التوصيات الآتية: 700 ـ 500 ملليغرام يومياً للأطفال، 1300 ملليغرام يومياً للمراهقين، 1000 ملليغرام يومياً للبالغين (من عمر 19 حتى 65 عاماً)، 1300 للنساء بعد انقطاع الطمث ومثلها بعد عمر 65. تساعد هذه الكميات على كثافة العظام ومتانتها شرط أن يتم تناول الفيتامين «د» معها إمّا عن طريق التعرّض للشمس لمدة 15 دقيقة يومياً أو/و تناول ما بين 400 و800 وحدة عالمية لتساعد على امتصاص الكالسيوم لداخل الجسم. ولتقدير مستوى حماية العظام، تجدر الإشارة إلى أن زيادة 10% من كثافة العظام تحمي من الكسور بنسبة 50%.
في بعض الأحيان لا تستطيع الوجبات الغنية بالكالسيوم وحدها توفير ذلك، لكون كبار السن لا يستهلكون وجباتهم الغذائية بشكل ملائم، ويتعرضون أقل لأشعة الشمس، وقد يعانون مشاكل صحية في جهازهم الهضمي، يحرمهم ذلك الحصول على الكالسيوم بالكمية الكافية. في هذه الحالة، يجب إعطاؤهم حبوب كالسيوم وفيتامين «د»، 1200 ملليغرام كالسيوم و800 وحدة عالمية فيتامين «د» (دراسات كوكران وغيرها) حتى خلال علاجهم الهرموني لترقق العظام أو للكسور الناتجة منه.
يأخذ الأمر جدية أكثر في لبنان، حيث تشير دراسات محلية إلى تدني مستوى الفيتامين «د» والكالسيوم عند المراهقين من طلاب المدارس بسبب النظام الغذائي القليل الكالسيوم، وقلة التعرض للشمس بالشكل المطلوب. إلى جانب الكالسيوم والفيتامين «د»، هناك البروتين الذي تؤدي قلة تناوله إلى أضرار لا يستهان بها تلحق بالعظام خلال الطفولة والمراهقة، إضافة إلى ضعف الكتلة العضلية التي تزيد من مخاطر السقوط، ضعف البنية، وهشاشة العظام. إن مصادر البروتين عديدة ليس فقط في اللحوم، بل في العديد من الحبوب والبيض. أما الكالسيوم، فمصادره الحليب ومشتقاته، البروكلي، والسردين. قد تكون لله وحده معجزة «يحيي العظام وهي رميم»، ولكن إذا تم اعتماد نظام غذائي سليم وسلوك صحي يومي، يصبح إمكان تعزيز صحة العظام عالياً.
* أستاذ كلية العلوم الصحية
في الجامعة الأميركية في بيروت