طارق ترشيشيتوحي الجولتان العربيّتان اللتان يقوم بهما، على دفعات إذا جاز التعبير، كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، أن فريقي الموالاة والمعارضة يخوضان سباقاً من أجل استيلاد معطيات ومواقف عربية تدعم مواقفهما، بعدما باتت المبادرة العربية الرامية إلى حل الأزمة المستحكمة بينهما «في منتصف الطريق المسدود» حسبما عبّر بري قبل أيام.
فبري يريد الحصول على تأييد عربي لمبادرته الحوارية التي يؤكد أن الغاية منها هي دعم المبادرة العربية وتمكينها من الوصول إلى خواتيمها المرجوّة، وهي الخلاص من الأزمة عبر انتخاب رئيس توافقي وتأليف حكومة وحدة وطنية وإقرار قانون انتخابي يحقق عدالة التمثيل الشعبي في مجلس النواب.
وفي السياق نفسه، يسعى بري إلى بلورة توافق سوري ـــــ سعودي ينهي الخصام القائم بين دمشق والرياض وينعكس توافقاً بينهما على مساعدة فريقي الموالاة والمعارضة على الخروج من الأزمة، وذلك عبر تأمين تنفيذ أمين للمبادرة العربية بمندرجاتها الثلاثة المترابطة والتي تتسم بطابع «الفورية التنفيذية» حسبما أقرها وزراء الخارجية العرب قبل أشهر في القاهرة (انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب).
وينطلق بري في تحركه العربي من تأييد فريق المعارضة لمبادرته الحوارية، استتبعه بدعم سوري لهذه المبادرة حصل عليه خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، إلى دعم مصري حصل عليه أيضاً عندما التقى الرئيس المصري حسني مبارك أمس في القاهرة التي كانت المحطة الثانية بعد دمشق في جولته العربية وينتظر أن تكون المحطة الثالثة الرياض والدوحة. على أن بري كان ولا يزال منذ بداية الأزمة يبلغ كل المسؤولين العرب وكل من يزوره من شخصيات ووفود داخلية وخارجية، أن حل الأزمة اللبنانية لا يمكن أن يبدأ إلا بالتوافق العربي، وتحديداً بالتوافق السوري ـــــ السعودي، وأنه إذا استحال هذا التوافق فعلى اللبنانيين أن يساعدوا العرب عموماً ودمشق والرياض خصوصاً في التوصل إليه.
ومن هنا فإن بري يعتقد أن عودة فريقي الأزمة إلى طاولة الحوار ربما يشكل خطوة في اتجاه تشجيع العرب على المساعدة عبر تقليص مساحات التباعد في ما بينهما بحصول اتفاق على تنفيذ المبادرة العربية أو على الأقل الاتفاق على الاستمرار في الحوار والابتعاد عن التشنج، لعلّه تتوافر في ظله لاحقاً معطيات داخلية عربية تحقق الحل اللبناني المنشود عبر المبادرة العربية أو غيرها.
ورغم أن بري لا يخفي امتعاضه من موقف فريق الموالاة من مبادرته الحوارية، وتوجّسه من الجولة العربية التي يقوم بها السنيورة في موازاة جولته، فإنه يخشى أن تستمر الأزمة في المراوحة إلى أمد طويل إذا لم يتم اقتناص الفرصة التي تتيحها المبادرة العربية خصوصاً بعدما تبنّاها العرب على مستوى الرؤساء والملوك في قمة دمشق الأخيرة.
وفي المقابل، فإن السنيورة يسعى في جولته إلى الحصول على مزيد من الدعم العربي لموقف فريقه الذي يتهم المعارضة بعرقلة تنفيذ المبادرة العربية، مدعومة من دمشق وطهران، وهو يشرح للمسؤولين العرب الذين يلتقيهم موقفاً للموالاة يقول إن هذه المبادرة تعطي في بنودها الثلاثة الأولوية لخيار انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي، وقد طوّرت الموالاة هذا الموقف بعد قمة دمشق وفي معرض معارضتها مبادرة بري الحوارية بدأت تطالب بأن ينتخب رئيس أولاً ليتولى هو وليس رئيس مجلس النواب إدارة حوار حول حكومة الوحدة وقانون الانتخاب.
بعض السياسيين يقول إن الحل في لبنان ما زال بعيداً وإن حصوله مرهون بما هو منتظر من تطورات إقليمية تتصل بالخيارات التي ستقدم عليها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الجمهورية إزاء الملفات التي تتصدى لها في المنطقة وهي خيارات لا بد لها أن تضبطها على إيقاع معركة الانتخابات الرئاسية التي تخوضها.
ويرى بعض هؤلاء السياسيين أن الحل المنشود أيضاً مرهون بما سيكون عليه الوضع على الجبهتين اللبنانية والسورية، وخصوصاً أن بعض السفراء الأجانب عادوا يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن احتمال حصول حرب على هاتين الجبهتين يمكن أن تبادر إليها إسرائيل التي كانت ولا تزال تتجرع مرارة هزيمة تموز 2006. وفي حال اندلاع حرب من هذا النوع فإن الوضع في لبنان سيبقى على ما هو في انتظار ما تسفر عنه هذه الحرب.
بيد أنه وعلى رغم كل ذلك، فإن البادي للعيان هو أن مكمن تفاقم الأزمة الآن هو الخلاف المستمر بين الموالاة والمعارضة على تفسير بنود المبادرة العربية التي لا تحتاج إلى تفسير لأنها تقول بالحل المتكامل التوافقي الذي تكفله عودة الثقة المفقودة بين الطرفين حتى ينفذ بمندرجاته الثلاثة، ولكن هذا الحل لا يمكن أن يبصر النور ما لم تعد الثقة المفقودة بين المثلث المصري ـــــ السوري ـــــ السعودي، وما لم تتضح حقيقة الموقف الأميركي الذي يقف خلف الخلافات العربية ـــــ العربية ويؤججها أو يؤخر معالجتها قبل أن تبتّ الإدارة الأميركية مستقبل مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يتآكله الإخفاق بكل حلقاته.