طارق ترشيشياستناداً إلى الأجواء المرنة التي سادت بين الوفدين السوري والسعودي في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة، ثمّة تكهّن بأن يبدأ التوتر الذي يعتري العلاقة بين دمشق والرياض بالانحسار كلما اقترب موعد القمة العربية العادية المقرر انعقادها في 29 من الجاري في العاصمة السورية لأن توافقاً تم بين وزيري خارجية السعودية وسوريا الأمير سعود الفيصل ووليد المعلم على أولوية معالجة الأزمة التي تعتري العلاقات اللبنانية ـ السورية كمدخل مساعد على حل الأزمة السائدة بين فريقي الموالاة والمعارضة.
لكن عدم سفر المعلم إلى الرياض لتوجيه الدعوة السورية إلى القيادة السعودية لحضور القمة وتكليف وزير الدولة لشؤون الهلال الأحمر السوري بشار الشعار ومدير مكتب وزير الخارجية بسام الصباغ هذه المهمة أمس ترك ظلالاً من الشكوك حول إمكان حصول انفراج قريب في العلاقة بين دمشق والرياض، وإن كان البعض يعتقد بأن الفترة الفاصلة عن موعد القمة لا تزال تتيح المجال لحصول مزيد من المساعي في هذا الاتجاه علّها تحقّق نتائج إيجابية.
وهذا التوافق السعودي ـ السوري هو ما دفع إلى إدراج بند في البيان ــ القرار الأخير الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في شأن لبنان، ودعوا فيه إلى «العمل على وضع العلاقات اللبنانية ـ السورية على المسار الصحيح بما يحقّق مصالح الشعبين» اللبناني والسوري، وكلّف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى «الشروع بالخطوات التي تحقق ذلك». ويكشف مصدر عربي مشارك في اجتماع القاهرة والمحادثات السعودية ـ السورية التي جرت على هامشها وشارك فيها السفير السعودي في بيروت الدكتور عبد العزيز خوجة أن هذا البند اللبناني ـ السوري إنما أضيف إلى البيان العربي، في ضوء مداخلة للوزير الفيصل شدد فيها على حرص السعودية على وجوب تصحيح العلاقة اللبنانية ـ السورية «لأن في ذلك ما يخدم مصلحة البلدين، ويسهم في إنجاح القمة العربية التي تريد المملكة لها أن تتوّج بنجاح يعزّز العمل العربي المشترك».
وحسب المصدر نفسه، فإن الفيصل قال في مداخلته إن «المملكة لا تتعاطى مع الوضع اللبناني على أساس أنها طرف، وإنما تتصرف على أنها مرجعية وليست مع طرف لبناني ضد آخر، وهي تريد من الطرفين أن يتّفقا على ما يخدم مصلحة لبنان، وعلى هذا الأساس فإنها تدعم المبادرة العربية بقوة وتريد من طرفي الموالاة والمعارضة أن يتوافقا عليها بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعدم إعطاء هذه المبادرة أي تفسيرات مغايرة لها أو معطّلة لتنفيذها». ويضيف إن الفيصل قال أيضاً «إن المملكة ليست في وارد الخلاف مع سوريا، وبالتالي فهي لا تعتبر سوريا خصماً لها، كما أنها لا تريد أن يكون لبنان مجال نزاع بينهما، بل تريد أن تكون علاقته بسوريا لا تشوبها شائبة، وهذا ما ترى فيه عنصراً مهمّاً بالنسبة إلى النجاح المطلوب لقمة دمشق».
ويلفت المصدر إلى أن المعلم أبدى في المقابل، ارتياحه إلى مداخلة الفيصل، مؤكداً أنه ليس لديه ما يزيده عليها، وأن بلاده حريصه على أن تكون العلاقة السورية ـ السعودية متينة، لكنها ترى أن المدخل إلى حل الأزمة يكون بانتخاب رئيس لبناني وتأليف حكومة انتقالية تتولى إقرار قانون انتخابات نيابية جديد وإجراء انتخابات مبكرة، أو أن يجري تنفيذ «سلّة مكاملة» للحلول.
وقد رأى الجانب السعودي أن هذا الطرح السوري لا ينسجم مع مضمون المبادرة العربية، وخصوصاً لجهة الحكومة الانتقالية وموضوع «السلّة المتكاملة» الذي يطرحه فريق المعارضة، ووجد أن هذا الأمر قد يكون صعب التحقيق في ضوء المعطيات الداخلية اللبنانية وانعدام الثقة القائم بين فريقي الموالاة والمعارضة».
على أن مصدراً دبلوماسياً عربياً مطلعاً على الموقف السعودي لفت إلى أن الرياض أبلغت الجميع «أن استمرار الأزمة سيمثّل مخاطر كبيرة على الوضع العربي برمته وأن هذا الموقف أبلغه الوزير الفيصل إلى المجتمعين في القاهرة أخيراً». وأبدى المصدر نفسه ما يشبه اللوم على المعارضة لجهة اندفاع بعض أطرافه إلى مهاجمة السعودية، «وكأنّ هؤلاء يعيشون «فوبيا» إزاء المملكة التي تريد للبنان الخروج من أزمته ولا تقف مع طرف ضد آخر»، مشيراً إلى أن الهجمات السياسية على المملكة «هي التي كانت الدافع الأساسي إلى الطلب من الرعايا السعوديين أخذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم أو في السفر إلى لبنان».
في ضوء كل هذه المعطيات، يتبيّن أن الموقف بين الرياض ودمشق إزاء لبنان لا يزال يتلخّص بالآتي: الرياض تريد انتخاب رئيس لبناني يرأس وفد لبنان إلى القمة العربية وهو ما ترى أنه مدخل إلى تنفيذ بقية بنود المبادرة العربية ومنها حكومة الوحدة الوطنية وإقرار قانون الانتخابات النيابية الجديد، فيما دمشق تقترح في المقابل انتخاب رئيس وتأليف حكومة انتقالية تقرّ قانون انتخاب جديداً وتجري انتخابات مبكرة.
وهذا الموقف هو تقريباً نفسه السائد داخلياً بين فريقي الموالاة والمعارضة، ويزيده تعقيداً استمرار الخلاف بينهما على تفسير بنود المبادرة العربية بين قائل بعدم الأرجحية لأي فريق في حكومة الوحدة الوطنية، وآخر قائل إن المبادرة العربية تُبقي الأكثرية الوزارية في حصة الموالاة، وأن يكون الصوت الوازن لحصة رئيس الجمهورية من المقاعد الوزارية.