وفاء عواد
لم يكد فريق الجامعة العربية يحطّ رحاله في بيروت، تمهيداً لعودة الأمين العام عمرو موسى إلى بيروت لاستئناف تسويق مبادرته التي باتت مكشوفة تبحث عمن يعطيها زخماً، حتى استحالت «المثالثة» محور التصريحات، وتحديداً من فريق الموالاة الذي أبدى كل حرص على اتفاق الطائف، بدءاً بوصف الصيغة العشريّة المطروحة للتركيبة الحكومية بـ«النقيضة للطائف»، إلى حدّ التحذير من «طعنه» بها، وصولاً إلى وضعها في خانة «مشاريع التعطيل الكامل للمؤسّسات». وبغضّ النظر عمّا إذا كانت فكرة المثالثة «سوريّة المنشأ»، مع ما كانت تستدعيه هذه الفرضية ــــ في حال ثبوت صحّتها ــــ من «عدم التبرّؤ منها باعتبارها تهمة، بل الترحيب بها كون سوريا تساعد في الحلّ»، وفق رأي مصدر سياسي بارز، فإن مراجعة وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، وتحديداً البند 5 من الإصلاحات السياسيّة المرتبطة بمجلس النوّاب، تبيّن أن اتفاق الطائف قال بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، في مرحلة انتقالية. ولذا، يؤكّد مصدر مطّلع أن «لا علاقة للمثالثة باتفاق الطائف من قريب ولا من بعيد، ولا تمسّ به إطلاقاً، استناداً إلى خلوّها من أي ذكر للطوائف والمذاهب».
وإذ أشار المصدر إلى أن التصريحات التي صدرت أخيراً في هذا الشأن «استبطنت خلطاً بين المحاصصة الطائفية المنافية للدستور، ومشروع الحكومة في المرحلة الانتقالية»، فقد وضع هذا «الخلط» في خانة «التهويل والتعمية وإثارة البلبلة، تمهيداً لرفض مبدأ المثالثة من أساسه في التركيبة الحكومية». وبعيداً عن فكرة المثالثة أو عدمها، فـ«المهم هو الهدف». ويلفت المصدر إلى أن «تأليف الحكومة يمكّن الفرقاء من الانتقال من وضع إلى آخر، تمهيداً لوضع قانون انتخابي يوفّر التمثيل الصحيح ويوفّر الشرعية للسلطة التشريعية»، و«الطائف يدعّم هذه الفكرة».
ومؤكّداً أن صيغة المثالثة في توزيع الحقائب بين المعارضة والموالاة ورئيس الجمهورية ليست سوى «اختراع انتقالي لا يمثّل سابقة»، و«من الممكن القبول بها في مرحلة انتقالية فقط يستوجبها الواقع السياسي الحالي المفتقِد وجود نقطة ارتكاز واحدة للشرعية فيه، وبعد ذلك، يجب حماية رئيس الجمهورية من أن يصبح فريقاً»، يذكّر المصدر بأن فكرة تأليف الحكومة على قاعدة المثالثة في توزيع حقائبها طائفياً «لم تكن سوى شائعة لم يكتب لها أن تحيا سوى يومين، إثر حصول الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، إذ سارع حزب الله وحركة أمل إلى رفضها ونفي طرحها نفياً قاطعاً في حينه»، ولا سيما أن أصابع الاتهام وجّهت مباشرة إلى طهران.
وفي مقاربة هذا الموضوع من زاوية الماضي، لا بدّ من التذكير بأن تجربة الـ1958 (قبل الطائف) شهدت حكومة رباعية، توزّعت مناصفة بين السنّة (حسين العويني ورشيد كرامي) والموارنة (بيار الجميّل وريمون إدّه)، حين كانت السلطة بيد رئيس الجمهورية، فلم تمثّل هذه التجربة سابقة، بل كان الرفض مصيرها، فكيف ستكون الحال، إذاً، بعد مضي نحو 19 عاماً على إقرار وثيقة الوفاق التي جاهرت بأن «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه»، لا لجميع طوائفه ومناطقه؟