طارق ترشيشي
يعتقد متابعون لتطورات الأزمة اللبنانية، بشقيّها الداخلي والخارجي، بأنه لن تكون هناك مواجهة مفتوحة بين أطراف هذه الأزمة الداخليين والخارجيين، بالرغم من أن عناصر التسوية المأمولة لا تزال تدور بعيداً عن الأضواء.
ولذا، فإن زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الحالية لبيروت كان لا بد منها، وليس لأنها تحمل شيئاً جديداً أو في إمكانها أن توصل الأزمة إلى مكان آخر يساعد على معالجتها، لأن الخلاف بين فريقي الموالاة والمعارضة كان ولا يزال هو هو، ولذا فإن الاجتماع الرباعي الذي انعقد مساء أمس، برعاية موسى وفي حضور الرئيس أمين الجميل ورئيس تكتل الإصلاح والتغيير ميشال عون ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، كان قصيراً، كرر خلاله كل فريق موقفه من دون أن يناقش الفريق الآخر، حتى «الخطأ التكتيكي» الذي ارتكبه فريق الموالاة في الاجتماع السابق بالسؤال الذي وجّهه الحريري إلى عون عن أن المعارضة هل تنزل إلى المجلس لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية إذا قبلت الموالاة بحكومة المثالثة، لن يكرر الحريري الوقوع فيه، وخصوصاً بعدما رأى أن هذه الصيغة الحكومية «طبخة سورية».
إلا أن ما رشح من معلومات عن الخلوة التي انعقدت في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وموسى أفاد بأن بري أكد أن المعالجة السياسية للأزمة ستبقى متعذّرة في ظل استمرار الخلافات العربية ـــــ العربية، وخصوصاً بين دمشق والرياض، ولذا فإن علينا أن نعمل بجدية على السلم الأهلي في لبنان في انتظار أن تتوافر الحلول أو الظروف الملائمة لإنهاء تلك الخلافات العربية.
ويقول المتابعون للأزمة اللبنانية وتشعباتها إن تحرك الرئيس المصري حسني مبارك في اتجاه المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، في ظل التعقيد الذي تواجهه المبادرة العربية الهادفة إلى حل الأزمة اللبنانية، ينطلق تحت عنوان حماية مؤسسة القمة العربية. إذ إنه نقل إلى القيادة السعودية مقترحاً يدعو إلى عدم مقاطعة القمة المقرر انعقادها في دمشق أواخر الشهر المقبل، لأن هذه المقاطعة تؤذي هذه المؤسسة العربية ولا تؤذي الداعي إلى هذه القمة، أي دمشق. كذلك يتضمن اقتراح مبارك أن تشارك مصر والسعودية في هذه القمة على مستوى متدنٍ إذا لم يُنجز تقدم ملموس في حل الأزمة اللبنانية، على الأقل انتخاب رئيس للجمهورية.
وحسب المتابعين، فإن مبارك برّر للقيادة السعودية اقتراحه هذا في أن مقاطعة القمة العربية من شأنه أن يكرّس سابقة، بحيث إنه كلما كان هناك خلاف بين دولتين عربيتين يُلجأ إلى عقد هذه القمة في مكان آخر بما يمثّل خروجاً على الترتيب الأبجدي المتفّق عليه في عقد القمم العادية السنوية.
وفي هذا السياق، ونتيجة تعثّر المبادرة العربية، أبلغ القطريون بعض الجهات العربية والدولية أنهم لن يسهموا في أي مبادرة جديدة إلا بناءً على تكليف عربي، وكذلك فعل الفرنسيون، حيث أبلغوا بعض المراجع اللبنانية والعربية والأميركية أنهم لن يبذلوا أي مساعٍ في شأن الأزمة اللبنانية إلا بناءً على إعادة تكليف أميركية واضحة لهم. بيد أن المتابعين يعتقدون بأن أي مسعى قطري قد يواجه عقبات، وربما رفضاً من الأطراف العربية التي كانت ولا تزال تتمسك بالمبادرة العربية، وخصوصاً مصر والسعودية، في حين أن بعض الجهات اللبنانية فاتحت الجانب الفرنسي في إمكان القيام بمسعى جديد أو الدعوة إلى مؤتمر «سان كلو» جديد، فأبدى موافقة مبدئية، لكنه اشترط أن يحظى تحرك من هذا النوع بدعم عربي وأميركي.
إلى ذلك، يكشف متابعون للتحضيرات الجارية للقمة العربية أن دمشق أبلغت بعض العواصم العربية الأساسية أن الضغط عليها ليس الطريق السليم للتوصل إلى تفاهم معها على حل على مستوى المنطقة، لأن الولايات المتحدة جرّبت ذلك وفشلت، ونصحت دمشق هذه العواصم أن لا تستعمل الأسلوب الأميركي نفسه، وأن لا تمارس ضغوطاً عليها من خلال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتمويلها أو من خلال بعض القضايا الداخلية والمذهبية، لأنها في هذه الحال تكون قد اختارت الطريق الأصعب والمسدود، لأن الضغط على دمشق لا يفيد وأن الطريق الذي يوصل إلى نتيجة هو طريق التفاهم.
كذلك تمنّت دمشق، على هذه العواصم العربية أن لا تتعامل معها كمتهمة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنها تنتظر العفو منها، مؤكدة أنها «ليست متهمة وليست خائفة حتى يقايضها البعض بأن تسلّم لبنان وتضغط على المعارضة مقابل العفو الموهوم عنها». وأكدت دمشق أن «الدليل على صدق موقفها هو أنها في فلسطين اختارت أن تكون إلى جانب المقاومة ولم تتخلَّ عنها، مع العلم بأن ليس هناك ملف اتهام ضدها على الساحة الفلسطينية، وبالتالي فإنه إذا كان البعض يريد أن يأخذ لبنان وفلسطين مقابل عقد القمة وحضورها، فإن دمشق ستحتفظ بفلسطين ولبنان».
وحسب المتابعين أنفسهم أيضاً، فإن دمشق أبلغت بعض العواصم العربية أنها «لا تعير اهتماماً لمَن سيقاطع القمة العربية أو مَن يحضرها، فهي ستعلن أن هذه الدولة أو تلك حضرت وتلك قاطعت أو غابت، وإن مَن يقاطع يريحها». وكذلك أكدت أن الذين سيحضرون القمة «سيتخذون قراراً بأن تعقد القمة العربية العادية كل ثلاث سنوات بدلاً من كل سنة».