انطوان سعد
ترى أوساط مراقبة محايدة أن الحملة التي يتعرّض لها قائد الجيش العماد ميشال سليمان من جانب أفرقاء المعارضة غير منصفة على الإطلاق، ولا سيما اتهامه بقمع الاحتجاجات بالعنف من أجل الوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية. إذ إنه كان يدأب في الفترة الأخيرة على تأكيد حياديته من خلال إبداء إشارات إيجابية تجاهها وتجاه سوريا، بعدما اتهمته المعارضة بعقد صفقة تحت الطاولة مع أركان الموالاة بسبب بعض الإشارات الإيجابية التي أطلقها تجاه الأكثرية غداة انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود لأن أركان الموالاة، وبخاصة المسيحيين منهم كثيراً ما اعتبروه منتجاً سورياً لا يمكن الركون إليه. عدم الثقة بات شاملاً وسيد الموقف.
عندما تدخل سوسة عدم الثقة، ينكبّ جميع الأطراف على قراءة الماضي من هذا المنظار. وهكذا أخذ حلفاء سوريا، في ضوء ما يعتبرونه «المعطيات الجديدة»، ينظرون بتوجّس إلى موقف قائد الجيش في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً الى يوم الرابع عشر من آذار، لاقتناعهم بأنه لو تحرّك يومذاك الجيش ومنع حصول التظاهرات لما كرّت حجارة الدومينو وخرجت سوريا بهذه الطريقة. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى الشاحنات المحمّلة ذخائر التي أوقفتها حواجز الجيش اللبناني قبل بضعة أشهر، وما سوى ذلك من إشكالات لم تعنِ للمعارضة الكثير في حينها، لكنها فجأة أصبحت ذات مغزى مهمّ.
غير أن الأوساط المراقبة المحايدة ترى أن ثمة تجنّياً على قائد الجيش الذي، عندما قام ببعض التحركات غداة إعلانه مرشحاً توافقياً، كان يُفترض بأن سنوات التعاون التسع التي أمضاها مع حلفاء سوريا كفيلة بإعطائه هامش التحرك الذي يحتاج إليه ليتمكن من النجاح في المهمة الجديدة الموكلة إليه. وتسجل هذه الأوساط الملاحظات الآتية:
ـــــ أولاً، قد لا تكون للعماد سليمان خبرة سياسية طويلة لأنه لم يقحم نفسه في زواريب السياسة الداخلية، لكن من يعرفه يدرك أن لقائد الجيش قراءته للوضع اللبناني وتركيبته السياسية والطائفية التي تجعله يعلم تماماً حدود اللعبة السياسية ومحدوديتها، وخصوصاً لجهة النفوذ السوري في لبنان والقدرة العسكرية الكبيرة لحزب الله، وهو بالتالي، لا أوهام لديه تجعله يأخذ التزامات تتهمه بعض أوساط المعارضة بها.
ـــــ ثانياً، إن ما قام به العماد سليمان من زيارات أزعجت بعض أركان المعارضة وبخاصة الزيارتين، المعلنة وغير المعلنة، إلى رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، كانت بناءً على إلحاح وتدخّل من رئيس كتلة نواب المستقبل النائب سعد الحريري الذي يبدو «شديد الحساسية»، وفق ما يقوله بعض معاونيه، في مراعاة القيادات المسيحية، ولا سيما ابتداءً من بداية فترة الفراغ الرئاسي.
إذ من شأن الزيارة أن تبرّر بعض الشيء الانقلاب الكبير في موقف جعجع من ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية بعد معارضة شرسة لها، وخصوصاً عندما أعلن البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير قبوله مبدأ تعديل الدستور لانتخاب العماد سليمان.
ـــــ ثالثاً، أكثر من تولّى إقناع سوريا وحلفائها بالتخلي عن دعم ترشيح قائد الجيش هو الوزير السابق سليمان فرنجية الذي زار دمشق سراً ناقلاً ملاحظاته وملاحظات المعارضة السلبية عليه. وتعزو المصادر أسباب ذلك إلى حال العداء المستفحلة بين جعجع وفرنجية، وإلى نظرة هذا الأخير إلى مفهوم التحالف مع سوريا الذي يختلف على ما يبدو مع مفهوم قائد الجيش وغيره.
ـــــ رابعاً، ليس من مرشح توافقي آخر متوافر حالياً في منظار الأسرة الدولية والعربية، بعدما رفضت باريس مجرد البحث بأسماء جديدة. أي موقف الآن معارض لانتخاب قائد الجيش سيضعه الجميع في خانة تعطيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى وفي خانة السعي نحو تمديد الفراغ وتفجير الساحة اللبنانية واستعداء قيادة الجيش وأركانه. وسيكون ثمن تحمل مسؤولية ذلك باهظاً على قوى المعارضة، وخصوصاً على العماد ميشال عون.
ما من شك أن العماد سليمان أخطأ حيث لم يكن ثمة ما يدعو إلى ارتكاب هذا الكم من الأخطاء في وقت وجيز، لكن الصحيح أيضاً أن سلوكه في قيادة الجيش والعقيدة القتالية التي حافظ عليها، ولا سيما تأكيده التحالف مع الجيش السوري والمقاومة في زمن التبرؤ من كل علاقة معهما كان يفترض أن يمدّانه برصيد لا ينفد بين ليلة وضحاها.