عرفات حجازي
شُغل الوسط السياسي، في اليومين الماضيين، في تتبع حقيقة ما دار من نقاشات في الاجتماعات العربية ــ الدولية، الثنائية منها والموسعة، ومدى انعكاس خلاصاتها على مصير الاستحقاق الرئاسي الذي بات على مرمى أيام معدودة.
إلا أن ما استرعى الانتباه إقدام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في خطوة لافتة ومفاجئة، على إيفاد مبعوثين رئاسيين إلى دمشق مع رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تستوضح مصير الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ومعرفة حقيقة الموقف السوري من هذه المحطة المفصلية. وما زاد من أهمية هذه اللفتة الفرنسية هو الإيحاء بأن هذا الملف ليس حصراً في يد الدبلوماسية الفرنسية، بل يقع في نطاق الإشراف المباشر لقصر الإليزيه، وخصوصاً أن الموفدَين هما أمين سره كلود غيان و«وزير خارجيته الفعلي» جان دافيد ليفيت، مهندس العلاقات الفرنسية ــ الأميركية، وأحد رموز التنسيق الأمني السوري ــ الفرنسي منذ كان إلى جانب رئيسه في وزارة الداخلية، وهو ما يعكس انعطافة نوعية في مسار العلاقات الفرنسية ــ السورية، لكونها المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤولون فرنسيون رفيعو المستوى مع الرئيس السوري منذ صيف عام 2004. كما أن توقيت الزيارة جاء عشية القمة الأميركية ــ الفرنسية، وغداة محطة إسطنبول التي شهدت لقاءات فرنسية ــ سورية وسورية ــ أميركية.
وعلى رغم شح المعلومات التي تسربت عن لقاء المبعوثين الفرنسيين مع الأسد، فإن مصدراً سورياً مطلعاً وصف اللقاء بأنه «ممتاز جداً»، واضعاً خطين عريضين تحت هذه العبارة، ليؤكد أن الاتفاق «كان تاماً بين الطرفين»، لجهة فتح العلاقات بين البلدين على آفاق رحبة من التعاون والتنسيق في مجمل الملفات الساخنة في المنطقة. كما أن المحادثات في الشأن اللبناني أفضت إلى «توافق تام» في وجهات النظر حول كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي وعلى قاعدة التوافق بين القوى السياسية اللبنانية للتفاهم على مرشح أو مرشحين توافقيين يحظون بأوسع قاعدة تأييد من اللبنانيين، وأن تجري عملية الانتخاب الرئاسي في موعدها ووفق الأصول الدستورية بعيداً عن أي ضغوط خارجية من أي جهة أتت، ما يعني التسليم باحترام سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر، وهو ما سبق أن تفاهم عليه وزيرا خارجية البلدين في إسطنبول.
ويضيف المصدر أن التفاهمات التي تمت بين الأسد وموفدي ساركوزي والإجابات الصريحة عن الأسئلة التي طرحت على الرئيس السوري، سيحمل محصلتها الرئيس الفرنسي إلى اجتماعه اليوم مع الرئيس الأميركي جورج بوش، عله ينجح في تسويقها لدى الإدارة الأميركية التي تملك رؤية مختلفة للتعاطي مع الملف الرئاسي اللبناني، حيث اعترف وزير الخارجية الفرنسي بهذا التباين في نظرة البلدين لمفهوم الرئيس التوافقي ومواصفاته وآليات انتخابه.
ولا يجزم المصدر بأن الحل بات في متناول اليد، لكن مسار الأمور «أكثر من جيد، والأفكار التي جرى التفاهم بشأنها تصلح أساساً لتوسيع قاعدة التوافق بين اللبنانيين». لكن المسألة تبقى في إقناع واشنطن بدعم التوجه التوافقي في الموضوع الرئاسي تفادياً للفراغ وما سينشأ عنه من فوضى واضطرابات تضع لبنان في نطاق الحرائق المشتعلة في المنطقة.
ويؤكد المصدر السوري المطلع، خلافاً لكل ما أوحت به المواقف والبيانات والتسريبات الإعلامية التي سبقت لقاءات إسطنبول وتلتها، أن المحادثات التي جرت مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم اتسمت بالمرونة والهدوء، ولم تكن لإبلاغ الرسائل ونقل التهديدات وممارسة الإملاءات. ورداً على الادعاءات التي تقول إن اجتماع رايس ـــ المعلم لم يستغرق أكثر من نصف ساعة كان كافياً لإيصال رسالة حازمة وقوية لسوريا بوجوب امتناعها عن التدخل في الانتخابات الرئاسية، قال المصدر إن اللقاء استغرق زهاء أربعين دقيقة، وهو وقت طويل نسبياً على هامش مؤتمر محدّد بيوم واحد وتخللته لقاءات متعددة. ومع ذلك سمح هذا الوقت للجانب السوري بتأكيد موقفه من أن استقرار لبنان فيه مصلحة لسوريا وأن الفوضى في داخله ستكون سوريا أول من يدفع كلفتها وأن التوافق اللبناني على إمرار الاستحقاق بعيداً عن الضغوط سيفتح العلاقة مع لبنان على تبادل دبلوماسي بين البلدين والبدء بترسيم الحدود من أي نقطة تكون جاهزة ومهيأة للترسيم.
هذه الصورة الإيجابية التي رسمها المصدر السوري المطلع تتقاطع مع ما لفت إليه بعض المتابعين من إشارات ذات مغزى ظهرت في العراق وتعاون سوريا في إراحة الوضع هناك حينما انخفضت حركة تدفق الرجال والسلاح، وتراجع مستوى العمليات العنفية قياساً إلى ما كانت عليه في الأشهر السابقة، كما أن إلغاء مؤتمر الفصائل الفلسطينية الذي كان مقرراً عقده في دمشق لمعارضة مؤتمر بوش للسلام والمخصص لإدانة السلطة وأطراف عربية مشاركة فيه، كل ذلك عزز احتمالات الوصول إلى تفاهمات بالحد الأدنى مع الإدارة الأميركية والمجتمع الغربي لإمرار الاستحقاق الرئاسي بهدوء والسعي مع سوريا لاحقاً لإطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة وإعادة الاستقرار إليها.