عرفات حجازي
باشر الرئيس نبيه بري وزعيم الأغلبية النيابية سعد الحريري البحث الجدي في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي فتح باب التوافق على رئيس عبر حصر الخيار بأسماء محددة، ضمنها لائحته، وباب الحسم الآن في دائرة أصحاب القرار.
لم يتسرب الكثير من المعلومات عن المراحل التي قطعتها المذاكرة الثنائية لمراجعة لائحة المرشحين وإن كانت أوساط الرجلين قد حرصت على ضخ أجواء إيجابية عززت فرص التفاهم على الرئاسة، مشددة على إبقاء قنوات التشاور مفتوحة حتى الوصول إلى انتخاب رئيس من بين الأسماء الواردة في قائمة البطريرك وذلك احتراماً والتزاماً بخياره.
وجاء لقاء بري ـــــ الحريري بعد جولة محادثات عميقة أجراها كل منهما مع حلفائه بشأن التوافق الرئاسي الذي سيتوج لاحقاً بمفاضلة في الأسماء تقود إلى اختيار رئيس متفاهَم عليه. وكشفت المعلومات المتوافرة عن مشاورات الكواليس عن وجود اعتراضات وتحفظات متبادلة في مواقف طرفي الموالاة والمعارضة على الأسماء المصنفة في خانة التوافقيين، وهو ما استدعى ضرورة العودة مجدداً إلى إجراء المزيد من اللقاءات التي سيعقدها كل فريق بين قواه السياسية حيال الأسماء للوصول إلى تقاطع على اسم أو اسمين من بين الأسماء الثلاثة المعروفة، بحيث إذا لم يتم التوصل إلى توافق على أحدهما يمكن النزول بالاثنين إلى مجلس النواب ليقول كلمته ويحسم الأمر.
غير أن احتمالاً جرى تداوله في الوسطين السياسي والإعلامي، وهو أنه إذا تمسكت المعارضة بالعماد ميشال عون والغالبية النيابية بمرشحيها نسيب لحود وبطرس حرب بعد تعذر التوافق على المرشحين الثلاثة الباقين ميشال إده وميشال الخوري وروبير غانم بسبب الفيتوات المتبادلة على أسمائهم، هل بالإمكان النزول بلائحة البطريرك كاملة إلى المجلس النيابي والاحتكام إلى اللعبة الديموقراطية؟
فريق في الموالاة رجّح هذا الاحتمال استناداً إلى اتفاق يُزعم أنه تمّ بين بري والحريري، وعزز هذا الزعم ما أبلغه السفير الفرنسي في طهران إلى المسؤولين الإيرانيين الذين استوضحوا الأمر من رئيس المجلس النيابي، ولا سيما أن مسؤولاً في قسم الشرق الأوسط لدى الخارجية الفرنسية تبنّى هذه المزاعم أمام بعض من استوضحه حقيقة هذه المسألة فكان جواب الرئيس بري قاطعاً وواضحاً في حديث أدلى به إلى إذاعة مونت كارلو يوم الخميس الماضي، ميّز فيه بين تبنّي أسماء من اللائحة واختيارها «لنفترض أننا توافقنا على مرشحين توافقيين ولم نستطع سعد الحريري وأنا أن نتفق على واحد فقط، لكننا اتفقنا على أن هذين الاثنين هما مرشحان توافقيان، عندها ننزل بالاسمين إلى المجلس ومن يربح فليربح، أما اذا اتفقنا على شخص واحد فإننا ننزل إلى المجلس بشخص واحد».
ويؤكد بري باستمرار الالتزام بقاعدة التوافق، وهو ما يعمل على تحقيقه، وليس في وارد القبول بأي صفقة تتم على حساب فريق لحساب آخر . وفي غضون ذلك تواصلت الجهود الدولية الضاغطة لضمان إجراء الانتخابات في موعدها وسط استمرار القلق من عدم التوافق بين طرفي النزاع ومن ثم الذهاب إلى الفراغ، وهو ما حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية إيطاليا الذي أبلغ بعض زواره أنه سيعود إلى بيروت يوم الخميس المقبل وينضمّ إلى نظيريه الفرنسي والإسباني للعمل على حل النزاع السياسي والدستوري عبر المؤسسات. والانطباع الذي يخرج به الوسطاء الدوليون أنه ليس من المؤكد نجاح المساعي التوافقية رغم الجهود الصادقة التي يبذلها الثنائي بري والحريري لتجنيب البلاد الدخول في المحظور. ويعترف الموفدون الأجانب بأن المشكلة هي في إقناع العماد عون بتسهيل الحل على رغم معرفتهم المسبقة بأحقية وصوله إلى الرئاسة نظراً لشعبيته الواسعة في الساحتين المسيحية والوطنية وامتلاكه أكبر كتلة مسيحية في المجلس النيابي، إضافة إلى أن استطلاعات الرأي أعطته أرجحية كبيرة على منافسيه. من هنا مناشدة الوزير الإيطالي للعماد عون أن يتحلى بالمرونة لأنه إحدى الشخصيات الأساسية في الطائفة المسيحية، وعليه مسؤولية خاصة لأن قوة شخصيته وتمثيله تعطيه الخبرة والقدرة على المساعدة في العملية السياسية.
خلاصة القول إن زحام الزوار والموفدين بقدر ما يعكس اطمئناناً إلى أن المجتمع الدولي لن يترك لبنان يواجه قدره بمفرده وأنه سيظل يضغط باتجاه تمكينه من تجاوز أزمته السياسية ليكون في موقع مريح حتى تبلغ أزمات المنطقة حلها الموعود.