عرفات حجازي
بردت خطوط الاتصالات أجواء التشنج التي أشاعتها السجالات السياسية على خلفية المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في يوم القدس، وأعادت تثبيت المنطق التوافقي وآلية المشاورات التي اعتمدت بين قطبي الحوار نبيه بري وسعد الحريري المنتظر أن يكملا على أساسها ما بدآه بعد عطلة عيد الفطر.
ومع أن موجة الردود على نصر الله لم تنحسر تماماً، وكذلك الردود على الردود، فإن المشتغلين على خط الوساطة توقعوا تراجع المناخات التصعيدية لمصلحة إعادة تثبيت أجواء التهدئة. والمنتظر أن تسهم العطلة في تبريد الأجواء والتهيئة لمواصلة الحوارات التي ستكون حاسمة هذه المرة في تحديد الوجهة التي سيسلكها الاستحقاق الرئاسي وسط توقعات أن تبدأ المشاورات في لعبة الأسماء وغربلة المرشحين والمفاضلة بينهم مع كل ما يعنيه ذلك من دفع الطرفين إلى كشف أوراقهما المستورة.
ورغم المواقف السياسية الحادة التي يتناوب على إطلاقها الفريقان المتنازعان، فإن المتابعين لسير الحركة التفاوضية يضعون هذا التوتر في إطار التصعيد الطبيعي لتحسين الشروط. ويلفت هؤلاء إلى أن فرص نجاح إجراء الانتخابات في موعدها تتعزز من خلال جملة تطورات ووقائع، أولها التطمينات التي أطلقها بري من جنيف بأن المشاورات مع الحريري ستستمر على طريق التسمية والتوافق وأن الأزمة بكل مكوناتها ما زالت تحت السيطرة.
وثانيها دعوة بكركي إلى اجتماع للقيادات المارونية بتوجيه من الفاتيكان لجسر الهوة بينهم حيال الموضوع الرئاسي نصاباً وترشيحاً وتنافساً ديموقراطياً. ويقول مطلعون على موقف الكنيسة إن البطريرك نصر الله صفير ما كان ليسارع في توجيه الدعوة لو لم يكن قلقاً من حدة الانقسامات السياسية التي قادتهم في الماضي إلى صراعات دموية ما زالوا يدفعون أثمانها حتى الآن، كما أن البطريرك ما كان ليغامر في مبادرته لجمع الصف لو كانت هناك حركة مسيحية قائمة في هذا الاتجاه، فالاستحقاق الرئاسي معني به الموارنة تحديداً، وعدم الوفاء به سيرتب انعكاسات كارثية على حضور المسيحيين ودورهم وموقعهم في المعادلة الوطنية. ورغم إدراك سيد الصرح البطريركي لصعوبة التفاهم على رئيس مقبل للبلاد من بين المرشحين الكثر وعدم استعداده لتقبل أي تفويض من القيادات السياسية، فإنه سيركز على السير بالمنحى التوافقي انطلاقاً من مبادرة بري وملاقاتها بالعمل على توافق مسيحي، وأنه مهما كانت الظروف والاعتبارات لا يجب السماح بالوصول إلى فراغ في الرئاسة، بل العمل بكل الوسائل المشروعة لإنقاذ هذا الموقع وعدم تفويت فرصة سانحة لاختيار رئيس بانتخابات حرة بعد الخروج السوري من لبنان، لكن ليس من طريق إعادة إنتاج معادلات سابقة «رئيس ماروني ضعيف بين رئيسين قويين للمجلس النيابي والحكومة» بل اختيار رئيس قادر على إعادة الحضور والدور والموقع للمسيحيين في المعادلة الداخلية وفي التوازنات التي قام عليها لبنان.
وثالث الإشارات قيام وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بزيارة مشتركة إلى بيروت قبل أربعة أيام من جلسة 23 الجاري، لإيجاد مخرج مناسب للأزمة السياسية ودفع الفرقاء المعنيين إلى تسهيل عملية الانتخاب والتوافق على مرشح يرضي غالبية اللبنانيين. ويحذر الأوروبيون من مغبة السير بخيارات غير توافقية قد تدفع إلى الفوضى السياسية والدستورية والأمنية بما يطاول ويهدد عمل القوات الدولية في الجنوب ومستقبل وجودها، فضلاً عن انعكاسات هذه الفوضى على دول المنطقة التي هي على تماس مع مصالح الدول الأوروبية. ويتضح من كل ما تقدم أن الأمور ليست مقفلة على الحلول، بل إن إصرار القوى السياسية الفاعلة في لبنان إلى جانب بكركي والفاتيكان والدعم العربي والدولي على تغليب منطق الوفاق اللبناني سيدفع بالجميع إلى الاتفاق على مرشح توافقي لإنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري.