نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

نازحو البارد يجولون في جواره لترطيب الأجواء: ردّات الفعل ضدّ عودتنا مؤقّتة

لم تتوقف أمس عملية مطاردة مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» الفارين من مخيم نهر البارد منذ أسبوع، إذ واصل عناصر الجيش ملاحقة الفارين في ثلاثة اتجاهات: الأول شمالاً باتجاه بلدات ببنين والعبدة ووادي الجاموس وقرى سهل عكار، وصولاً إلى الحدود الشمالية؛ والثاني شرقي المخيم باتجاه مجرى نهر البارد وبحيرة عيون السمك، وصولاً إلى جرود الضنية؛ والثالث جنوباً يمتد من بلدات بحنين والمنية وصولاً إلى مدينة طرابس وأطرافها.
وفي الوقت الذي استخدم فيه الجيش الطوافات العسكرية والزوارق البحرية في عملية التمشيط إلى جانب القوات البرية، التي أقامت حواجز ثابتة ومتنقلة في مختلف هذه المناطق، سُجّل أول من أمس إلقاء القبض على مسلح فارّ يحمل الجنسية اليمنية يدعى ناصر الشيبا لم يتجاوز العشرين من عمره، في حي النبي كزيبر في المنية، على الطريق المؤدية إلى بلدة مركبتا، بعدما استدل عليه عناصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بمساعدة مواطنين من آل عامرية، وسلموه لاحقاً إلى مخابرات الجيش؛ إضافة إلى قتل مسلحين اثنين واعتقال اثنين آخرين فجر أول من أمس هما السوريان محمد حمزة الشيخ عثمان وأحمد حسن اللبش، الذي أمسك به عدد من سكان بلدة بحنين، وسلموه إلى فرع المعلومات في الشمال.
على صعيد متصل، ضربت القوى الأمنية طوقاً حول بلدة الشيخ طابا في عكار بعدما أبلغت ميّ مخول، إحدى مواطنات البلدة، عن اشتباهها بأحد الأشخاص وهو ذو لحية طويلة داكن اللون ويرتدي سترة عسكرية، وعلى الفور أبلغت القوى الأمنية التي حضرت إلى المكان، وفرضت طوقاً عسكرياً، إلّا إن هذا العنصر استطاع الفرار باتجاه جرود البلدة؛ وعلى الرغم من رصد إحدى الطوافات العسكرية له، إلّا أن هذه المطاردات لم تعثر عليه.
في موازاة ذلك، لا يزال الجيش يتابع أعمال الدهم والتمشيط والتنظيف وسط المخيم القديم، وفي عدد من المباني في المخيم الجديد وعلى امتداد الواجهة البحرية، إضافة إلى عملية سحب الجثث التي ما زال قسم منها تحت الركام، حيث سُحب أول من أمس جثتان من داخل المخيم نقلتا إلى مستشفى طرابلس الحكومي، حيث أخذت عينات منهما لفحص الحمض النووي، شأنها بذلك شأن كل مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» للتعرف إلى كامل هوياتهم، التي ما زال بعضها مجهولاً إلى الآن.
كما أن وحدات فوج الهندسة تواصل عملها اليومي المعتاد لجهة تفكيك الألغام وتفجيرها، حيث تسمع أصوات الانفجارات من خارج المخيم الذي أقام الجيش حوله سياجاً شائكاً. وأفيد عن إصابة عنصرين في الفوج بجروح، أحدهما حالته خطرة، نقلا إثر ذلك إلى مستشفى رزق في بيروت للمعالجة، في الوقت الذي بدأت فيه جرافات الجيش العمل على جرف الأتربة وركام الدمار من على الطرقات الرئيسية للمخيم، ومداخل الأزقة ومداخل عدد من الملاجئ الأساسية، وخاصة ملاجئ سعسع والدامون والشيخ علي وزاروب جبهة النضال، ومحيط ملجأ أبو عمار ومسجد الحاووظ، تمهيداً لتطهير هذه الملاجئ من الألغام، والتثبت من خلوها من المسلحين.
على صعيد آخر، سُجّل أول من أمس عودة صيادي الأسماك إلى ممارسة عملهم لأول مرة منذ 112 يوماً في مرفأ صيد الأسماك في العبدة، وقد عبَّر الصيادون عن سعادتهم بالعودة إلى ممارسة أعمالهم وتحصيل رزقهم وقوت عيالهم بعد انتهاء هذه المحنة.
وفي سياق متصل، استبق نازحو مخيم نهر البارد عودتهم المرتقبة إلى مخيمهم بزيارات عدة شرعوا القيام بها منذ فترة إلى البلدات والقرى المجاورة له، وعقدهم لقاءات عدة مع فاعلياتها، في «خطوة تهدف إلى ترطيب الأجواء، والتخفيف من حالة الاحتقان القائمة، وقطعاً للطريق أمام أشخاص وفئات عملت ولا تزال على الاصطياد في الماء العكر، والتشويش على العلاقات الأخوية التي كانت قائمة بين المخيم وجواره، والتي ينبغي الحفاظ عليها وعدم التفريط بها»، حسب ما قال لـ«الأخبار» أمين سر حق العودة في لبنان يوسف حمدان.
فبعد زيارة سابقة قام بها وفد من الفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية إلى المنية، وعقدهم لقاءً موسعاً مع فاعلياتها، وإثر اجتماع عقدته الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية للغاية ذاتها في مقر حركة فتح ـــــ الانتفاضة في مخيم البداوي، جاءت زيارة وفد من مؤسسات وجمعيات المجتمع الأهلي الفلسطيني إلى بلدة المحمرة المتاخمة لمخيم نهر البارد في الإطار ذاته.
الوفد أشار ـــــ حسب بيان له صدر بعد الزيارة ـــــ إلى «ضرورة تمتين العلاقة بين أبناء المخيم والجوار، والتأكيد على الوحدة وعلاقات الأخوة انطلاقاً من هذا الإطار، وخصوصاً أن هذه العلاقة متأصلة منذ نكبة عام 1948، فضلاً عن حالات المصاهرة وصلات النسب القائمة بين أهالي المحمرة وغيرها مع أهالي مخيم نهر البارد، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية التي بقيت قائمة ومزدهرة منذ عشرات السنين إلى حين وقوع الأزمة الأخيرة».
ولم يغفل البيان أجواء التوتر القائمة، بعدما أشيع أخيراً عن أن مجموعات من القرى والبلدات المحيطة بمخيم نهر البارد، تحضّر لقيامها بتحركات واعتصامات تهدف إلى الضغط من أجل الحؤول دون عودة الفلسطينيين إلى المخيم ومنع إعادة إعماره، مستغلة سقوط شهداء في صفوف الجيش والمدنيين من أبناء المنطقة، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي لحقت بهم جراء تلك الأحداث، إذ أكد البيان أن «ردّات الفعل التي تصدر من هنا وهناك على ما حصل في مخيم نهر البارد هي ردّات فعل مؤقتة، لأن المخيم وجواره لا علاقة لهما بكل ما جرى من قريب أو بعيد، وهما دفعا ثمناً كبيراً نتيجة تسلط مجموعة غريبة عن المخيم ونسيجه الاجتماعي والسياسي، وإلحاقها أشد الضرر بالعلاقات بين أهالي المخيم وجواره».
وفي الوقت الذي أكد فيه حمدان خلال اللقاء أن «العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين تاريخية، قامت على «شراكة الدم»، وأن كلا الشعبين قدم شهداء في سبيل الآخر»، فإنه لفت إلى أن «اللقاء في المحمرة كان إيجابياً وبنّاءً أكثر من المتوقع، وأن رئيس البلدية نديم تلاوي شدد خلاله على أنه «لا مانع من عودة الفلسطينيين إلى المخيم، نظراً للتعايش التاريخي والمشترك بين أبنائه والجوار»، مطالباً في الوقت ذاته بـ«التريث قليلاً قبل العودة، والتنسيق بهذا الأمر مع قيادة الجيش»، ومشيراً إلى أن تلاوي أوضح للوفد أنه قال للرئيس فؤاد السنيورة، خلال لقاء جمع الأخير مع رؤساء بلديات ومخاتير القرى المجاورة للمخيم: «إذا لم تعيدوا النازحين إلى المخيم فإلى أين ستذهبون بهم، إلى سهل عكار أم إلى الضنية، أم إلى مكان آخر، وكيف ستحلّون قضيتهم؟».