strong> إبراهيم عوض
نزلت الكلمة ـــــ المبادرة التي ألقاها النائب محمد عبد اللطيف كبارة في «سان كلو» باسم التكتل الطرابلسي «وقع الصاعقة» على فريق 14 آذار بصورة عامة وعلى الساحة السياسية في طرابلس والشمال بشكل خاص، وانعكس ذلك خلافات داخل العائلة الواحدة وتباعداً بين الحلفاء، كما ظهر في الجلسات السياسية الصباحية أمس التي توزّعت على أكثر من مقهى في عاصمة لبنان الثانية وجمعت أطرافاً من هذا الفريق أو ذاك.
وقد نقل عن منسق «تيار المستقبل» في الشمال عبد الغني كبارة، شقيق النائب محمد كبارة، استغرابه لإقدام التكتل على إعلان التزامه أكثرية الثلثين شرطاً لالتئام جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن ذلك قراءة خاطئة للدستور وتفسير كيفي له، ويأتي في توقيت غير مناسب، فيما غمز مناصر للتيار المذكور من قناة عميد التكتل الوزير محمد الصفدي قائلاً «إن المال لا يصنع الزعامة، وقد أثبتت الوقائع أن ما يؤثر في مزاج الشارع الطرابلسي هي المواقف السياسية والخطاب السياسي الواضح».
إلاّ أن مسؤولاً في التكتل الطرابلسي رد على هذين الطرحين منتقداً اللجوء إلى قراءة النص الدستوري قراءة سياسية، مشدداً على ما ورد في بيان التكتل من أن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لا تنعقد إلاّ بنصاب الثلثين، محذراً من أن أي شغور في مركز الرئاسة يولّد أزمة تصيب أضرارها جميع اللبنانيين. وتمنى هذا المسؤول على «تيار المستقبل» بصورة خاصة أن ينظر إلى الأمور بواقعية ويصغي جيداً إلى صرخة الطرابلسيين نتيجة لإهمال مدينتهم المزمن وعبرها الشمال كله، وصولاً إلى الحالة المأساوية الراهنة الناجمة عن ظاهرة «فتح الإسلام» وما تخلفه من انعكاسات سلبية على الوضع العام يوماً بعد يوم. كما لفت إلى أن العاطفة التي حكمت أصوات أبناء المدينة في الانتخابات النيابية الماضية وجعلتها تقترع للّائحة «زي ما هيي» على وقع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم تعد كذلك اليوم، وإن كانت ذكرى الأخير تبقى محفورة في القلب.
من جهته، يؤكد الوزير محمد الصفدي لـ«الأخبار» أن «ما قدمه التكتل في سان كلو أفكار يراها صالحة للحوار والمناقشة من أجل التوصل إلى حل يخرجنا من الأزمة الراهنة، وإلاّ فما معنى الذهاب إلى الحوار إذا كان كل فريق متمسكاً بمواقفه لا يحيد عنها ولا يطرح بديلاً لها». وأوضح أن «ما يسعى إليه التكتل هو «لملمة» الوضع اللبناني المضطرب لإعادة تأهيله بما يتناسب مع المعطيات التي طرأت عليه»، مشيراً إلى أن «اعتماد أكثرية الثلثين لالتئام جلسة انتخاب رئيس للجمهورية لا يجب الخلاف فيه، وخصوصاً أن هذا الانتخاب يشكل موعداً للإنقاذ. كما أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون يؤمّن صحة التمثيل لجميع اللبنانيين من شأنه أن يؤسّس مرحلة جديدة تجمع شمل اللبنانيين وتؤمّن الحقوق المتساوية لجميع الطوائف وتطور عمل المؤسسات الدستورية والمبادئ الديموقراطية للدولة».
ورداً على سؤال عمّا إذا كان موقف التكتل يعدّ خروجاً عن فريق 14 آذار، أجاب: «إن المسألة ليست كذلك، ولا يجب النظر إليها على أنها «انقلاب» على هذا الفريق أو ما شابه. كل ما في الأمر أن لدى التكتل الطرابلسي خصوصيته التي تجعله يتمايز أحياناً عن بعض الطروحات التي تصدر عن فريق 14 آذار، وخصوصاً تلك التي يراها خاطئة من وجهة نظره وتتعارض مع تطلعاته الوطنية والقومية والعروبية من دون أن يعني ذلك خلافاً على المبادئ والأسس التي أجمعنا عليها في 14 آذار والقائمة على الحرية والسيادة والاستقلال».
وفي هذا الإطار، كشف مصدر قريب من النائب محمد كبارة لـ«الأخبار» أنه لم يكن لدى التكتل اتجاه لإخراج مبادرته إلى العلن، بل الاكتفاء بطرحها داخل جلسات الحوار في سان كلو، لكن ارتُئي توزيعها على وسائل الإعلام اللبنانية بهدف إطلاع الرأي العام عليها والتفاعل معها على أمل أن تشكل حافزاً لمعاودة الحوار بين الأطراف اللبنانية. وطالب المصدر فريق 14 آذار بألّا يسرع في حكمه على المبادرة ويعتبرها موجهة ضده، متخذاً من ذلك ذريعة لإطلاق النار عليها، فيما الهدف منها هو إضاءة شمعة في ظلام الأزمة المستفحلة في لبنان.
وأكد المصدر أن مداخلة التكتل وضعت النقاط على حروف عدد من القضايا التي هي موضع جدل بين اللبنانيين، منها مسألة إعادة النظر في عدد من بنود اتفاق الطائف والتساؤل عما إذا كانت سوريا تتحمّل وحدها مسؤولية عدم تطبيق البنود الإصلاحية الواردة فيه ودور اللبنانيين في هذا التقصير الذي حال دون إعادة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإقرار اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ على سبيل المثال لا الحصر.
وأكد المصدر أن ما خرج به التكتل إنما جاء نتيجة لرصده نبض الشارع الذي لم يعد يستسيغ البقاء بين مطرقة 14 آذار وسندان 8 آذار والغرق في دوامة الكلام عن حكومة الوحدة الوطنية والثلث الضامن ورؤية مرشحين لرئاسة الجمهورية يبدّلون مواقفهم كما يبدّلون ثيابهم.
ومهما يكن من أمر، فإن «المفاجأة الطرابلسية» التي ظهرت في «سان كلو» لا بد أن ترخي بظلالها على المشهد السياسي العام المؤهل لرؤية تبدّلات وتحوّلات في المواقع والمراكز على نمط ما حصل مع التكتل الطرابلسي الذي يؤثِر على ما يبدو الابتعاد عن فريق 14 آذار معتمداً في ذلك على سياسة الخطوة خطوة، وإن تحت شعار التمايز لا الفراق في الوقت الحاضر على الأقل.