إبراهيم عوض
لم يتوقّف الهاتف الخلوي الخاص برئيس الجمهورية إميل لحود، عن الرنين قبل ظهر يوم الجمعة الماضي فيما امتنع صاحبه عن الرد على المتصلين به مشاركةً منه في يوم الاعتراض على ارتفاع فاتورة الخلوي، كما أبلغ «الأخبار»

ذكّر رئيس الجمهورية اميل لحود بـ «المعارك» التي كان يخوضها في موضوع الخلوي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي لم تطُل يوماً العلاقات الشخصية بينهما، ليتحدث عن «هؤلاء الذين يهاجمون سوريا اليوم بعدما كانوا أكثر المستفيدين منها وقد نمّوا ثرواتهم وممتلكاتهم على حسابها، بالتعاون مع بعض الفاسدين الذين سرعان ما كشفوا عن أنفسهم ولم يتورّعوا عن التنكّر لوطنهم».
ولدى سؤال الرئيس لحود عما إذا كان الاتصال الهاتفي الأسبوعي بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد ما زال قائماً، يردّ مغتبطاً «الاتصالات بيننا أضحت أكثر من ذي قبل، فالرئيس الأسد رجل ولا كل الرجال، وأنا أكنّ كل محبة ومودة وتقدير له، وهو على غرار والده الرئيس الراحل حافظ الأسد شامخ في مواقفه الوطنية والقومية ومحبّ للبنان ومصلحة اللبنانيين». وأشار إلى أنه أمضى سنوات قيادة الجيش من دون أن يلتقي مسؤولاً سورياً.
أما معرفته بالرئيس الراحل حافظ الأسد فجاءت عقب رفضه طلباً في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي عام 1993 لنزع سلاح المقاومة، وقيل له يومها أن السوريين يريدون ذلك لكنه امتنع عن تنفيذ الأمر على رغم وجود قرار بذلك من المجلس الأعلى للدفاع لا يزال يحتفظ بنسخة عنه، وردّ على المتصلين به في هذا الشأن: «فليغيّروني إذا مش عاجبهم». ولقد اتضح في ما بعد أن الرئيس الأسد لم يكن على علم بهذا الطلب وأن نائبه آنذاك عبد الحليم خدام الذي كان ممسكاً بالملف اللبناني هو الذي أبلغ المسؤولين اللبنانيين الموافقة السورية. وعندما بلغ الرئيس السوري موقف العماد لحود طلب التعرف به ووُجّهت إليه دعوة كانت الأولى له للقاء الرئيس الراحل حافظ الأسد.
ويؤكد الرئيس لحود أنه، خلافاً لما يحاول فريق الأكثرية تصويره بأنه «أداة في يد السوريين»، لم يذعن يوماً لتوجهات مسؤول سوري أو رضخ لمطالبه. ويروي في هذا الصدد، على سبيل المثال لا الحصر، رفضه طلب اللواء غازي كنعان (قائد القوات السورية العاملة في لبنان آنذاك) تعيين ضابطين لبنانيين قائدين للواءين عسكريين لأنه اعتبر يومها أنهما غير جديرين بهذه المهمة، الأمر الذي حمل كنعان على مقاطعته وشن حملة ضده. ويفيد بأن خدام حاول أكثر من مرة التوسط لديه لاستقبال رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط والعمل على استيعابه لكنه كان يرفض بسبب مواقف الأخير المسيئة للجيش ويقول لخدام «عبثاً تحاول معي... فأنا لا أستقبل من يتطاول على المؤسسة العسكرية».
ووصف لحود موقف التكتل الطرابلسي الرافض لإجراء انتخابات رئيس الجمهورية في جلسة لا تتوافر فيها أكثرية الثلثين بالموقف «الجيد» الذي أطاح حلم الأكثرية بعقد الجلسة على أساس النصف زائداً واحداً والإتيان برئيس على هواهم، رافضاً الحديث عن رئيس توافقي فقط، مشدداً على ضرورة أن يكون الرئيس المقبل قوياً مؤمناً بأن قوة لبنان في قوته ومناعته لا في ضعفه حتى يتمكن من إخراج البلد من الوضع المضطرب الذي يتخبّط فيه وإعادة اللحمة بين اللبنانيين. ونوّه بدور الجيش والمقاومة اللذين حالا دون حصول اقتتال داخلي لتحديدهما عدوهما المشترك وهو إسرائيل.
وكرر لحود نداءه إلى الأطراف اللبنانية كافة بالجلوس معاً والعودة إلى الحوار والعمل من أجل إنقاذ الوطن، مطالباً بتأليف حكومة وحدة وطنية، ومعلناً أنه سيبقى يعمل للتوصل إلى مثل هذه الحكومة، ولو قبل يوم واحد من انتهاء ولايته.
ورداً على مأخذ بعض السياسيين عليه وبينهم أقطاب في المعارضة عدم اعتباره الحكومة مستقيلة بدلاً من النظر إليها على أنها غير شرعية وغير دستورية، أوضح أنه تعمّد ألا يفعل ذلك حتى لا يعترف بشرعيتها ويتيح لها القيام بتصريف الأعمال الذي يمكّنها من فعل الكثير تحت هذا العنوان، مشيراً إلى أن على حكومة الوحدة الوطنية المنوي تشكيلها أن تعيد النظر في كثير من القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
ويمتنع الرئيس لحود عن الكشف عما يخبّئه من إجراء سيقدم عليه إذا بقي الوضع على حاله وتعذر معه تأليف الحكومة المرجوّة، ويقول في ذلك إنه يبذل ما في وسعه كي لا يعرّض البلد للانهيار، ومن السهل جداً عليه أن يغادر الحكم من دون اتخاذ أي قرار في هذا الصدد، لكنه ليس ممن يتهرّبون من مسؤولياتهم وهو عازم على القيام بما يلزم في الوقت المناسب وتحت سقف الدستور.
ونصح رئيس الجمهورية «المراهنين في فريق الأكثرية على دعم الولايات المتحدة لهم بأن يتعظوا مما يجري حولهم حتى لا يستيقظوا يوماً ليجدوا أنها تخلّت عنهم مع انسحابها من العراق»، داعياً إلى التأمل في ما يفعله الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، وخصوصاً لجهة إعادة الانفتاح على سوريا. وفيما أمل لحود خيراً من عهد ساركوزي ذكر بأن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أدخل عامل «الشخصنة» في علاقاته مع الآخرين إذ كان يتقرّب منه حين يكون على وفاق مع الرئيس الحريري، ويحمل عليه عندما يختلف معه.
وعن رأيه في أحداث مخيم «نهر البارد» يسارع الرئيس لحود إلى القول «إنهم الأصوليون المتطرفون ومنهم القاعدة الذين سبق أن حذرنا من وجودهم وخطرهم علينا لكن جوبه تحذيرنا باللامبالاة وبتوجيه الحملات ضدنا». وفيما اعتبر الأصوليين وإسرائيل وجهين لعملة واحدة، ذكّر بأن لبنان واجه الأصوليين إبان أحداث الضنية في مطلع عام 2000، ولفت إلى أن بعض الذين أُعفي عنهم من مجموعة الضنية شاركوا في القتال إلى جانب «فتح الإسلام» ومنهم من قتل في المعارك كما أظهرت ذلك التحقيقات.
وعن اتهامات فريق الأكثرية لسوريا بتصديرها «فتح الإسلام» إلى لبنان وقيام وزير الداخلية حسن السبع بتحميل الاستخبارات السورية مسؤولية المشاركة في جريمة «عين علق» دعا الرئيس لحود إلى انتظار نتائج التحقيق، لكنه تساءل «كيف تكون «فتح الإسلام» صنيعة سوريا وهي مطاردة من قبلها وسبق أن أوقفت قائدها شاكر العبسي وأدخلته السجن. وإن هناك من نسي أن سوريا كانت أول من عانت من المجموعات الأصولية واصطدمت بها».
ويشارك رئيس الجمهورية المعارضةَ استغرابَها عدم تمكّن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ولفريق الأكثرية من اكتشاف «فتح الإسلام» عند نشأتها وتركها تكبر وتتنامى حتى استفحل خطرها. وطرح علامات استفهام حول طريقة وصول عناصرها إلى مخيم «نهر البارد».
ويعزو رئيس الجمهورية الهجمة التي تعرض لها من قبل جهات دولية ومحلية إلى التمسك بمواقفه الوطنية والقومية وفي مقدمها رفض التوطين، ويعود بذاكرته هنا إلى ما قام به خلال القمة العربية التي انعقدت في بيروت وكيف عقد اجتماعاً مع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آنذاك لدى استقباله له في مطار بيروت للطلب منه إدراج حق العودة ورفض التوطين في مبادرته العربية للسلام.
ويتحدث الرئيس لحود بألم عن المحاولات الكثيرة التي جرت للنيل منه ومن عائلته وكيف واجهها بثبات وقناعة الواثق من نفسه ومن راحة ضميره، ويتوقف بصورة خاصة عند «الفبركات» التي جعلت من نجله النائب السابق إميل إميل لحود صاحب شركة للهاتف الخلوي في قطر وهو الذي لم يزرها يوماً آنذاك، وما قيل عن تلقّيه براميل نفط هدية من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وقد ثبت بطلانها، والادعاء بأنه متموّل من «بنك المدينة» الأمر الذي أظهر ضلوع عدد كبير من الذين ساقوا هذه التهم في فضيحة البنك المذكور وعدم علاقة نجله بها، كما أفاده من يعرف جيداً قصة هذا البنك من الألف إلى الياء.