فايز فارسمواطن لبناني منذ أكثر من عشر سنوات بعد المئة، أمضى العمر وهو يستمع إلى المسؤولين في هذا البلد المنكوب يردّدون: إن انتخاب رئيس جديد للجمهورية مسألة مصيريّة، واختيار رئيس جديد لمجلس الوزراء أو التمديد له مسألة مصيريّة، وتأليف حكومة جديدة مسألة مصيريّة، وانتخاب مجلس نيابي جديد مسألة مصيريّة، وانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب أو التمديد له مسألة مصيريّة، وانتخاب المجالس البلدية والاختيارية مسألة مصيريّة، واختيار قائد جديد للجيش مسألة مصيريّة، وتعيين المستشارين والمديرين والسفراء والقضاة والمحافظين والقائمقامين ورؤساء المصالح العامة والمستقلة، والمفتشين والمراقبين ومأموري النفوس والكتبة والنواطير... كلها مسائل مصيريّة. وتسديد الدين العام مسألة مصيرية، وزيادة الضرائب والرسوم، دون تمييز بين غني ومعدم، مسألة مصيريّة، والتنصت على المكالمات الهاتفية وغير الهاتفية مسألة مصيريّة، وقيام المحكمة الدولية من أجل معرفة الحقيقة مسألة جدّ مصيريّة، والنزول إلى ساحة الشهداء وأخواتها مسألة حقاً مصيريّة، ووجود القوات الدوليّة في الجنوب مسألة فعلاً مصيريّة. مما لا شكّ فيه أن المواطن العادي موافق مئة في المئة على أنّ كل هذه المسائل مصيريّة ومصيريّة جداً. لكنه يسأل أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة والسيادة والسماحة والفضيلة وجيش المستشارين والإعلاميين وسفراء الدول الشقيقة والصديقة ومبعوثي المؤسسات الدولية المانحة و«المالحة»: إلى متى سيبقى التقنين المجحف في توزيع الماء والكهرباء مسألة ثانوية؟ وإلى متى سيبقى توفير الاستشفاء والدواء لثلاثة أرباع شعب يلهث وراء الإعانات والمساعدات حتى الإغماء، مسألة ثانوية؟ وإلى متى سيبقى الفساد ينهش أحشاء الدولة التي قالوا عنها في الإعلان الضخم إن الشهداء قد ماتوا لأجلها؟
وإلى متى سيبقى رجل الدين يتدخّل في السياسة، لا ليصلح ذات البين بل ليزيد الطين بلّة؟ وإلى متى سيبقى المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة، مع احترامنا العميق لذكرى كل السياسيين الشهداء؟ وإلى متى سيبقى السياسيون يتشاتمون في العلن ويتعانقون في السر؟ وإلى متى سيبقى المواطن الموظف رهينة الزعيم السياسي؟ وإلى متى سيستمر هذا الزعيم بلجوئه إلى الشحن الطائفي كلما ضعفت حجّته السياسيّة؟ وإلى متى سيبقى المواطن المقهور والمظلوم والمحتاج ذليلاً عند أعتاب الزعيم السياسي في كل شاردة وواردة؟ وإلى متى ستبقى العدالة مغيّبة؟ وإلى متى سيبقى شباب لبنان يحلمون بالسفر والهجرة عن الأهل والوطن؟ وأخيراً، إلى متى سيبقى قادة هذا البلد على سفر وترحال يسألون زعماء هذا العالم أن يساعدوهم في حلّ خلافاتهم الشخصيّة؟