فايز فارس«خير الأمور أوسطها» هو قول مأثور وشائع في لبنان يحاكي إلى حد ما، أقوالاً مأثورة أخرى: اللي بياخد أمي بناديه عمي/ واليد اللي ما فيك عليها بوسها وتمنّالها الكسر/ والكذب ملح الرجال وعيب علّي بيصدق... إلى أن أصبح البعض يردد مقولة جديدة «اللي بيغمز أمي بنادي أبي». الوسطيون هم في أساس اللعبة الديموقراطية البرلمانية وجزء من المشهد السياسي العام في أوروبا منذ نشوء البرلمانات. هم بدأوا حياتهم السياسيّة وعملوا خاصة أيام السلم على ترجيح كفّة الحكم بين تيار سياسي فكري سمّي اليمين المحافظ، وآخر سمّي اليسار ذا النزعة الإصلاحيّة والتغييريّة. لكن لا بد لدورهم من أن يتراجع ويخفت في الحروب وفي زمن الخيارات الصعبة.
ينتمي إلى اليمين المحافظ الإقطاعيون وممثلو المصالح التجارية الكبرى ورجال الدين وبعض المفكرين المنظّرين من النبلاء. وينتمي إلى اليسار أصحاب الأفكار الإصلاحية والتغييرية وجلّهم من الأدباء والمفكرين والعلماء والحرفيين والمزارعين وصغار التجّار والحالمين بعالم أفضل. بينما يضم الوسط كل من يشعر بأن هذا وذاك لا يخدم المصلحة العامة، وأن أحدهما يبالغ أو يستغل قوّته العددية لتمرير آرائه وسياساته أو فرضها. ومن ثم انقسم أهل اليمين بين يمين متطرف ويمين محافظ وآخر وسطي. كذلك نجد أن أهل اليسار قد توزّعوا بين يسار متطرّف ويسار معتدل ويسار وسطي.
لكن السائد هو رؤية أهل الوسط أقرب إلى أهل اليمين منهم إلى أهل اليسار بهدف تصويب سياسات الأول وتطويرها. وحتى لا يُعطى الثاني الحجّة الكافيّة والفرصة السانحة لانتقاد سياسة حكومة يمينية فاشلة أو إسقاطها في الشارع، ما دام الشعب هو مصدر السلطات في الأنظمة الديموقراطية. وإلا رأيناهم يترنحون ميلاً إلى اليسار.
هذا في الدول الأوروبيّة، أما في لبنان، الذي لا يشبه بلداً آخر من بين البلدان التي اختارت أساليب الديموقراطية البرلمانية، فالأمر مختلف. لأن لبنان بشعبه وحكوماته ما زال في حالة مواجهة حقيقيّة مع دولة عدوّة مجرمة متغطرسة لا تعرف الرحمة، قد أعلنت عليه الحرب ومارستها منذ أربعين سنة بهدف إخضاع شعبه وتطويع حكوماته الهزيلة. فيما أهل السياسة في لبنان يتلهون في البحث عن معرفة من هو اليميني واليساري وصولاً إلى الوسطي.
هنا أود أن أسأل علماء السياسة والباحثين الأكاديميين في لبنان والمهجر: هل الأستاذ نبيه برّي يميني أم يساري أم وسطي، وهل العماد ميشال عون يميني أم يساري، وهل الأستاذ نسيب لحود ومثله كُثر، يميني أم يساري وسطي؟ دخيلكم... وليد بيك شو؟ وسليمان بيك؟ يبدو أن السياسي الوحيد الذي وجد لصقة، عفواً «إيتيكيت» واضحة، هو «اليساري الديموقراطي»، نائب طرابلس وكل لبنان، «المناضل» الياس عطا لله. أما البقية فاتركوها على الله.
إن الأغلبية الساحقة من شعب لبنان المنكوب تقف من دون أي تردد إلى جانب الرئيس العماد ميشال سليمان لأنه أثبت خلال أربعين سنة من حياته العسكرية الحافلة بالمواقف السليمة أنه جدير بكل الاحترام والتقدير والدعم، ولأنه عمل من أجل كل لبنان. لذا، فهو ليس بحاجة إلى مجموعة نوّاب في المجلس حتى يتمكّن من إدارة دفّة السفينة التي سبق له أكثر من مرّة أن أعادها إلى برّ الأمان.
الحياة السياسيّة في لبنان بحاجة إلى وسطاء خيّرين وخبراء في حلّ العقد والأزمات أمثال الرؤساء سليم الحص، نجيب ميقاتي، حسين الحسيني وعصام فارس والوزير محمد الصفدي والنائب بيار دكّاش والأستاذ جان عبيد... وليس إلى «وسطيين» لا همّ لديهم سوى استرجاع مقعد نيابي أو الحصول على مقعد وزاري.