فايز فارسغزّة بسكانها وحماسها وجهادها وأقصاها وقسّامها ونضالها وفتحها تقاوم، وما بقي من فصائل مفصّلة على قياس الأزمنة الرديئة تقاتل، وأطفالها ونساؤها وعجائزها يُستشهدون دفاعاً عن فلسطين والعرب والمسلمين، بينما زعماء العرب يتنقلون بين نيويورك والقاهرة والرياض والدوحة والكويت بحثاً عن حلول يرضى بها الملائكة والشياطين في آن معاً؟.. ويعدون بإعادة إعمار ما تهدّم!
وفي الوقت ذاته، يزور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المنطقة ليتأكد بنفسه من أن مراكز وكالة المنظمة الدولية ومدارسها ومخازنها التموينيّة قد تعرضت فعلاً لقصف الطيران الحربي الإسرائيلي أمام أنظار العالم الحر وفضائيّاته. وكأني بهذا الأمين العام لم يقتنع بالتقارير المصوّرة والمكتوبة التي استقرّت على مكتبه في نيويورك، على أساس أن إسرائيل دولة عادلة ونظيفة ونزيهة وديموقراطية «وما بتعملها».
المصيبة الكبرى التي حلّت بغزّة وأهلها، هي نفسها الأخت التوأم للمصيبة الكبرى التي حلّت بأهل الجنوب اللبناني منذ سنتين ونصف سنة. الفرق الوحيد أن اللبنانيين لم يكونوا يخضعون لاحتلال عسكري خانق، وقد مارسوا حقهم الطبيعي بمساندة المقاومين ودعمهم واحتضان النازحين. بينما أهل غزّة وجدوا أنفسهم مقيدين، سجناء حقيقيين ومحاصرين من الجهات الأربع براً وبحراً وجواً.
إنها حروب من نوع جديد تقضي بضرب كل من يرفع رأسه ويقول لا للمعتدي والمغتصب والمحتل.
مرّة أخرى، يجد الفلسطيني واللبناني والعرب أجمعين أنفسهم أمام السؤال الكبير: هل المقاومة قدرهم وحقهم الطبيعي، أم خيار يختلفون عليه فيتفرقون كلٌ يغني على ليلاه؟ يبدو أننا أمام استحقاق هو الأكبر والأعظم من كل ما شهدناه وتكبدناه حتى الآن منذ 1916 حتى يومنا هذا. فالأنظمة العربية بين مُخيّر ومُجبر، أعلنت بشكل مباشر وغير مباشر إفلاسها السياسي، فيما دولة إسرائيل تستجدي منذ تأسيسها اعتراف الدول العربية رسمياً بحقّها في الوجود والاستقرار الدائم في فلسطين.
كما يبدو أن المشكلة أصبحت فقط فلسطينية في هذا الشرق الأوسط الكبير، أي أن زعماء العالم لا همّ عندهم سوى البحث عن حلول «إنسانيّة» لمليون فلسطيني هنا ومليون ونصف هناك، ناهيك عن أنصاف الملايين التي تنتشر هنا وهناك.
والحلول تقضي بتدجين البعض كما هو حاصل مع الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أو الجنسية الأردنية، وتوطين البعض الآخر من بين الذين يقيمون بصفة لاجئين في لبنان وسوريا. أما من هم منتشرون مقيمون في بلاد الله الواسعة فقوانين تلك البلاد المتحضّرة ستكون مسرورة ممتنّة إذا عبّر الفلسطينيون المقيمون فيها عن رغبتهم واستعدادهم للإسهام في زيادة تعداد سكانها لأنها تعاني نقصاً في الولادات.
كذلك، يبدو أن الأموال الضخمة اللازمة لتغطية نفقات هذا المشروع الكبير ومستلزماته، جاهزة وتنتظر فقط أوامر الصرف وتسديد المبالغ للمستفيدين مباشرة وغير مباشر. هي أموال كانت تؤخذ منذ البدايات من جيوب وخزائن ملوك الأمة العربية وأمرائها وزعمائها، وتُصرف عادة من أجل تسليح الجيش الإسرائيلي والمحافظة على تفوقه العسكري المطلق في مواجهته لكل الجيوش العربية.
هنا لا بد من التنويه بأن هذه الأموال الضخمة لا تدخل حالياً في حسابات وجداول أزمة السيولة المالية العالمية التي حطّت رحالها على رؤوس أغنياء العالم وعشّشت في جيوبهم.
لست أدري إذا كان رئيسا فنزويلا وبوليفيا وعشّاق حرية الشعوب والناشطون من أجل السلام العالمي، يعلمون ويدركون أن الشعوب العربية والإسلامية لم تكن يوماً قادرة على مواجهة كذب أغلبية زعمائها ونفاقهم الذين يمعنون في قهرها وإذلالها منذ عقود.. وإلى أن يأتي اليوم الذي ينتصر فيه الحقّ ويزهق الباطل!
كما لست أدري إذا كان أهل غزّة اليوم كما أهل الجنوب اللبناني بالأمس، يعلمون ويدركون أنهم بصمودهم وتضحياتهم الكبرى إنما يدافعون عن فلسطين ولبنان وكل العرب والمسلمين والمضطهدين المقهورين المظلومين في هذا العالم البائس.